Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 24-29)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى - مخبراً عن شدة تكذيب المشركين بآيات الله : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ } أي : إذا سئلوا عن القرآن والوحي الذي هو أكبر نعمة أنعم الله بها على العباد ، فماذا قولكم به ؟ وهل تشكرون هذه النعمة وتعترفون بها ، أم تكفرون وتعاندون ؟ فيكون جوابهم أقبح جواب وأسمجه ، فيقولون عنه : إنه { أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } أي : كذب اختلقه محمد على الله ، وما هو إلا قصص الأولين التي يتناقلها الناس جيلاً بعد جيل ، منها الصدق ومنها الكذب ، فقالوا هذه المقالة ، ودعوا أتباعهم إليها ، وحملوا وزرهم ووزر من انقاد لهم إلى يوم القيامة . وقوله : { وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي : من أوزار المقلدين الذين لا علم عندهم إلا ما دعوهم إليه ، فيحملون إثم ما دعوهم إليه ، وأما الذين يعلمون ، فَكُلٌّ مستقلٌّ بجرمه ، لأنه عرف ما عرفوا { أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ } أي : بئس ما حملوا من الوزر المثقل لظهورهم ، من وزرهم ووزر من أضلوه . { قَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } برسلهم ، واحتالوا بأنواع الحيل على رد ما جاؤوهم به وبنوا من مكرهم ، قصوراً هائلة ، { فَأَتَى ٱللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِّنَ ٱلْقَوَاعِدِ } أي : جاءها الأمر من أساسها وقاعدتها ، { فَخَرَّ عَلَيْهِمُ ٱلسَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ } فصار ما بنوه عذاباً عذبوا به ، { وَأَتَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } وذلك أنهم ظنوا أن هذا البنيان سينفعهم ويقيهم العذاب ، فصار عذابهم فيما بنوه وأصَّلوه . وهذا من أحسن الأمثال في إبطال الله مكر أعدائه . فإنهم فكروا وقدروا فيما جاءت به الرسل لما كذبوهم ، وجعلوا لهم أصولاً وقواعد من الباطل يرجعون إليها ، ويردون بها ما جاءت [ به ] الرسل ، واحتالوا أيضاً على إيقاع المكروه والضرر بالرسل ومن تبعهم ، فصار مكرهم وبالاً عليهم ، فصار تدبيرهم فيه تدميرهم ، وذلك لأن مكرهم سيِّئ { وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } [ فاطر : 43 ] هذا في الدنيا ، ولعذاب الآخرة أخزى ، ولهذا قال : { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ } أي : يفضحهم على رؤوس الخلائق ، ويبين لهم كذبهم وافتراءهم على الله . { وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ } أي : تحاربون وتعادون الله وحزبه لأجلهم ، وتزعمون أنهم شركاء لله ، فإذا سألهم هذا السؤال ، لم يكن لهم جواب إلا الإقرار بضلالهم ، والاعتراف بعنادهم فيقولون { ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ } [ الأعراف : 37 ] { قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } أي : العلماء الربانيون { إِنَّ ٱلْخِزْيَ ٱلْيَوْمَ } أي : يوم القيامة { وَٱلْسُّوۤءَ } أي : العذاب { عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } وفي هذا فضيلة أهل العلم ، وأنهم الناطقون بالحق في هذه الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ، وأن لقولهم اعتباراً عند الله وعند خلقه ، ثم ذكر ما يفعل بهم عند الوفاة وفي القيامة فقال : { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ } أي : تتوفاهم في هذه الحال التي كثر فيها ظلمهم وغيُّهمْ ، وقد علم ما يلقى الظلمة في ذلك المقام ، من أنواع العذاب والخزي والإهانة . { فَأَلْقَوُاْ ٱلسَّلَمَ } أي : استسلموا ، وأنكروا ما كانوا يعبدونهم من دون الله وقالوا : { مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ } فيقال لهم : { بَلَىٰ } كنتم تعملون السوء ، فـ { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } فلا يفيدكم الجحود شيئاً ، وهذا في بعض مواقف القيامة ، ينكرون ما كانوا عليه في الدنيا ظناً أنه ينفعهم ، فإذا شهدت عليهم جوارحهم ، وتبين ما كانوا عليه أقروا واعترفوا ، ولهذا لا يدخلون النار حتى يعترفوا بذنوبهم . { فَٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ } كلُّ أهل عمل يدخلون من الباب اللائق بحالهم ، { فَلَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ } نار جهنم ، فإنها مثوى الحسرة والندم ، ومنزل الشقاء والألم ، ومحل الهموم والغموم ، وموضع السخط من الحي القيوم ، لا يُفَتَّرُ عنهم من عذابها ، ولا يرفع عنهم يوماً من أليم عقابها ، قد أعرض عنهم الرب الرحيم ، وأذاقهم العذاب العظيم .