Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 56-60)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى عن جهل المشركين وظلمهم وافترائهم على الله الكذب ، وأنهم يجعلون لأصنامهم التي لا تعلم ولا تنفع ولا تضر - نصيباً مما رزقهم الله وأنعم به عليهم ، فاستعانوا برزقه على الشرك به ، وتقربوا به إلى أصنام منحوتة ، كما قال تعالى : { وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَٰمِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـٰذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَىٰ ٱللَّهِ } الآية [ الأنعام : 136 ] ، { لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ } ويقال : { ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى ٱللَّهِ تَفْتَرُونَ * وَمَا ظَنُّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [ يونس : 59 - 60 ] فيعاقبهم على ذلك أشد العقوبة . { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَاتِ } حيث قالوا عن الملائكة العباد المقربين : إنهم بنات الله ، { وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ } أي لأنفسهم الذكور ، حتى إنهم يكرهون البنات كراهة شديدة ، فكان أحدهم { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً } من الغم الذي أصابه { وَهُوَ كَظِيمٌ } أي كاظم على الحزن والأسف إذا بشِّر بأنثى ، وحتى إنه يفتضح عند أبناء جنسه ، ويتوارى منهم من سوء ما بشر به . ثم يعمل فكره ورأيه الفاسد فيما يصنع بتلك البنت التي بشّر بها { أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ } أي : يتركها من غير قتل على إهانة وذل { أَمْ يَدُسُّهُ فِي ٱلتُّرَابِ } أي : يدفنها وهي حية ، وهو الوأد الذي ذم الله به المشركين ، { أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } إذ وصفوا الله بما لا يليق بجلاله ، من نسبة الولد إليه . ثم لم يكفهم هذا ، حتى نسبوا له أرْدَأ القسمين ، وهو الإناث ، اللاتي يأنفون بأنفسهم عنها ويكرهونها ، فكيف ينسبونها لله تعالى ؟ ! فبئس الحكم حكمهم . ولما كان هذا من أمثال السوء التي نسبها إليه أعداؤه المشركون ، قال تعالى : { لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ مَثَلُ ٱلسَّوْءِ } أي : المثل الناقص والعيب التام { وَلِلَّهِ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ } وهو كل صفة كمال ، وكل كمال في الوجود ، فالله أحق به ، من غير أن يستلزم ذلك نقصاً بوجه ، وله المثل الأعلى في قلوب أوليائه ، وهو التعظيم والإجلال والمحبة والإنابة والمعرفة . { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } الذي قهر جميع الأشياء ، وانقادت له المخلوقات بأسرها ، { ٱلْحَكِيمُ } الذي يضع الأشياء مواضعها ، فلا يأمر ولا يفعل ، إلا ما يحمد عليه ويُثْنى على كماله فيه .