Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 80-83)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يُذكّر تعالى عباده نعمه ، ويستدعي منهم شكرها والاعتراف بها فقال : { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً } في الدور والقصور ونحوها تُكِنُّكُمْ من الحر والبرد وتستركم ، أنتم وأولادكم وأمتعتكم ، وتتخذون فيها الغرف والبيوت التي هي لأنواع منافعكم ومصالحكم ، وفيها حفظ لأموالكم وحرمكم ، وغير ذلك من الفوائد المشاهدة ، { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَامِ } إما من الجلد نفسه ، أو مما نبت عليه ، من صوف وشعر ووبر . { بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا } أي : خفيفة الحمل تكون لكم في السفر والمنازل التي لا قصد لكم في استيطانها ، فتقيكم من الحر والبرد والمطر ، وتقي متاعكم من المطر ، { وَ } جعل لكم { مِنْ أَصْوَافِهَا } أي : الأنعام { وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً } وهذا شامل لكل ما يتخذ منها من الآنية والأوعية والفرش والألبسة والأجلة ، وغير ذلك . { وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ } أي : تتمتعون بذلك في هذه الدنيا وتنتفعون بها ، فهذا مما سخر الله العباد لصنعته وعمله . { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ } أي : من مخلوقاته التي لا صنعة لكم فيها { ظِلاَلاً } وذلك ، كأظلة الأشجار والجبال ، والآكام ونحوها ، { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَاناً } أي : مغارات ، تكنكم من الحر والبرد والأمطار والأعداء . { وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ } أي : ألبسة وثياباً { تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } ولم يذكر الله البرد ، لأنه قد تقدم أن هذه السورة أولها في أصول النعم ، وآخرها في مكملاتها ومتمماتها ، ووقاية البرد من أصول النعم ، فإنه من الضرورة ، وقد ذكره في أولها في قوله { لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ } [ النحل : 5 ] . { تَقِيكُم بَأْسَكُمْ } أي : وثياباً تقيكم وقت البأس والحرب ، من السلاح ، وذلك ، كالدروع والزرد ، ونحوها ، كذلك يتم نعمته عليكم حيث أسبغ عليكم من نعمه ما لا يدخل تحت الحصر { لَعَلَّكُمْ } إذا ذكرتم نعمة الله ، ورأيتموها غامرة لكم من كل وجه { تُسْلِمُونَ } لعظمته وتنقادون لأمره ، وتصرفونها في طاعة موليها ومسديها ، فكثرة النعم من الأسباب الجالبة من العباد مزيد الشكر ، والثناء بها على الله تعالى ، ولكن أبى الظالمون إلا تمرداً وعناداً . ولهذا قال الله عنهم : { فَإِن تَوَلَّوْاْ } عن الله وعن طاعته بعد ما ذُكِّروا بنعمه وآياته ، { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } أي : ليس عليك من هدايتهم وتوفيقهم شيء بل أنت مطالب بالوعظ والتذكير والإنذار والتحذير ، فإذا أديت ما عليك ، فحسابهم على الله ، فإنهم يرون الإحسان ، ويعرفون نعمة الله ، ولكنهم ينكرونها ويجحدونها ، { وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْكَافِرُونَ } لا خير فيهم ، وما ينفعهم توالي الآيات ، لفساد مشاعرهم وسوء قصودهم ، وسيرون جزاء الله لكل جبار عنيد ، كفور للنعم ، متمرد على الله وعلى رسله .