Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 90-90)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فالعدل الذي أمر الله به ، يشمل العدل في حقه ، وفي حق عباده ، فالعدل في ذلك ، أداء الحقوق كاملة موفرة بأن يؤدي العبد ما أوجب الله عليه من الحقوق المالية والبدنية ، والمركبة منهما ، في حقه وحق عباده ، ويعامل الخلق بالعدل التام ، فيؤدي كل وال ما عليه تحت ولايته ، سواء في ذلك ولاية الإمامة الكبرى ، وولاية القضاء ، ونواب الخليفة ، ونواب القاضي . والعدل هو ما فرضه الله عليهم في كتابه ، وعلى لسان رسوله ، وأمرهم بسلوكه ، ومن العدل في المعاملات ، أن تعاملهم في عقود البيع والشراء وسائر المعاوضات ، بإيفاء جميع ما عليك ، فلا تبخس لهم حقاً ، ولا تغشهم ، ولا تخدعهم وتظلمهم . فالعدل واجب ، والإحسان فضيلة مستحب ، وذلك كنفع الناس بالمال والبدن والعلم ، وغير ذلك من أنواع النفع ، حتى إنه يدخل فيه الإحسان إلى الحيوان البهيم المأكول وغيره . وخص الله إيتاء ذي القربى - وإن كان داخلاً في العموم - لتأكد حقهم ، وتعين صلتهم وبرهم ، والحرص على ذلك . ويدخل في ذلك جميع الأقارب ، قريبهم وبعيدهم ، لكن كل ما كان أقرب كان أحق بالبر . وقوله : { وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ } وهو كل ذنب عظيم استفحشته الشرائع والفطر ، كالشرك بالله ، والقتل بغير حق ، والزنا ، والسرقة ، والعجب ، والكبر ، واحتقار الخلق ، وغير ذلك من الفواحش . ويدخل في المنكر كل ذنب ومعصية متعلق بحق الله تعالى . وبالبغي كل عدوان على الخلق ، في الدماء والأموال والأعراض . فصارت هذه الآية جامعة لجميع المأمورات والمنهيات ، لم يبق شيء إلا دخل فيها ، فهذه قاعدة ترجع إليها سائر الجزئيات ، فكل مسألة مشتملة على عدل أو إحسان أو إيتاء ذي القربى فهي مما أمر الله به . وكل مسألة مشتملة على فحشاء أو منكر أو بغي ، فهي مما نهى الله عنه . وبها يعلم حسن ما أمر الله به ، وقبح ما نهى عنه ، وبها يعتبر ما عند الناس من الأقوال ، وترد إليها سائر الأحوال ، فتبارك من جعل في كلامه ، الهدى ، والشفاء ، والنور ، والفرقان بين جميع الأشياء . ولهذا قال : { يَعِظُكُمْ } به أي : بما بينه لكم في كتابه ، بأمركم بما فيه غاية صلاحكم ، ونهيكم عما فيه مضرتكم . { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } ما يعظكم به ، فتفهمونه وتعقلونه ، فإنكم إذا تذكرتموه وعقلتموه ، عملتم بمقتضاه ، فسعدتم سعادة لا شقاوة معها . فلما أمر بما هو واجب في أصل الشرع ، أمر بوفاء ما أوجبه العبد على نفسه فقال : { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ بَعْدَ … } .