Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 95-97)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يحذر تعالى عباده من نقض العهود والأيمان ، لأجل متاع الدنيا وحطامها ، فقال : { وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً } تنالونه بالنقض وعدم الوفاء { إِنَّمَا عِنْدَ ٱللَّهِ } من الثواب العاجل والآجل لمن آثر رضاه ، وأوفى بما عاهد عليه الله { هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } من حطام الدنيا الزائلة { إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } . فآثروا ما يبقى على ما يفنى ، فإن الذي عندكم ولو كثر جداً ، لا بد أن { يَنفَدُ } ويفنى ، { وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ } ببقائه لا يفنى ولا يزول ، فليس بعاقل من آثر الفاني الخسيس على الباقي النفيس ، وهذا كقوله تعالى : { بَلْ تُؤْثِرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا * وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } [ الأعلى : 16 - 17 ] { وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ } [ آل عمران : 198 ] وفي هذا الحث والترغيب على الزهد في الدنيا . خصوصاً الزهد المتعين ، وهو الزهد فيما يكون ضرراً على العبد ، ويوجب له الاشتغال عما أوجب الله عليه ، وتقديمه على حق الله ، فإن هذا الزهد واجب . ومن الدواعي للزهد أن يقابل العبد لذات الدنيا ، وشهواتها بخيرات الآخرة ، فإنه يجد من الفرق والتفاوت ما يدعوه إلى إيثار أعلى الأمرين [ وليس الزهد الممدوح هو الانقطاع للعبادات القاصرة كالصلاة والصيام والذكر ، ونحوها ، بل لا يكون العبد زاهداً زهداً صحيحاً حتى يقوم بما يقدر عليه من الأوامر الشرعية الظاهرة والباطنة ، ومن الدعوة إلى الله وإلى دينه بالقول والفعل ، فالزهد الحقيقي هو الزهد فيما لا ينفع في الدين والدنيا ، والرغبة والسعي في كل ما ينفع ] . { وَلَنَجْزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوۤاْ } على طاعة الله ، وعن معصيته ، وفطموا نفوسهم عن الشهوات الدنيوية المضرة يدينهم { أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، إلى أضعاف كثيرة ، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً ، ولهذا ذكر جزاء العاملين في الدنيا والآخرة فقال : { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ } فإن الإيمان شرط في صحة الأعمال الصالحة وقبولها ، بل لا تسمى أعمالاً صالحة ، إلا بالإيمان ، والإيمان مقتض لها ، فإنه التصديق الجازم المثمر لأعمال الجوارح من الواجبات والمستحبات ، فمن جمع بين الإيمان والعمل الصالح { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } وذلك بطمأنينة قلبه ، وسكون نفسه ، وعدم التفاته لما يشوش عليه قلبه ، ويرزقه الله رزقاً حلالاً طيباً ، من حيث لا يحتسب . { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ } في الآخرة { أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } من أصناف اللذات ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . فيؤتيه الله في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة .