Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 1-1)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ينزه تعالى نفسه المقدسة ويعظمها لأن له الأفعال العظيمة والمنن الجسيمة ، التي من جملتها أن { أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ } ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، { مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } الذي هو أجل المساجد على الإطلاق { إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا } الذي هو من المساجد الفاضلة ، وهو محل الأنبياء . فأُسريَ به في ليلة واحدة إلى مسافة بعيدة جداً ، ورجع في ليلته ، وأراه الله من آياته ، ما ازداد به هدى وبصيرة وثباتاً وفرقاناً ، وهذا من اعتنائه تعالى به ولطفه ، حيث يسره لليسرى في جميع أموره ، وخوَّله نعماً فاق بها الأولين والآخرين ، وظاهر الآية أن الإسراء كان في أول الليل ، وأنه من نفس المسجد الحرام ، لكن ثبت في الصحيح ، أنه أُسريَ به من بيت أم هانئ ، فعلى هذا ، تكون الفضيلة في المسجد الحرام لسائر الحرم ، فكله تتضاعف فيه العبادة كتضاعفها في نفس المسجد ، وأن الإسراء بروحه وجسده معاً وإلا لم يكن في ذلك آية كبرى ، ومنقبة عظيمة . وقد تكاثرت الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الإسراء ، وذكر تفاصيل ما رأى ، وأنه أسري به إلى بيت المقدس ، ثم عرج به من هناك ، إلى السماوات ، حتى وصل إلى ما فوق السماوات العلي ، ورأى الجنة والنار ، والأنبياء على مراتبهم ، وفرض عليه الصلوات خمسين ، ثم ما زال يراجع ربه بإشارة موسى الكليم ، حتى صارت خمساً بالفعل ، وخمسين بالأجر والثواب ، وحاز من المفاخر تلك الليلة ، هو وأمته ، ما لا يعلم مقداره إلا الله عز وجل . وذكره هنا وفي مقام الإنزال للقرآن ، ومقام التحدي بصفة العبودية ، لأنه نال هذه المقامات الكبار ، بتكميله لعبودية ربه . وقوله : { ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ } أي : بكثرة الأشجار والأنهار ، والخصب الدائم . ومن بركته ، تفضيله على غيره من المساجد ، سوى المسجد الحرام ، ومسجد المدينة ، وأنه يطلب شد الرحل إليه للعبادة والصلاة فيه ، وأن الله اختصه محلاً لكثير من أنبيائه وأصفيائه .