Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 2-8)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
كثيراً ما يقرن الباري بين نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، ونبوة موسى صلى الله عليه وسلم ، وبين كتابيهما وشريعتيهما ، لأن كتابيهما أفضل الكتب ، وشريعتيهما أكمل الشرائع ، ونبوتيهما أعلى النبوات ، وأتباعهما أكثر المؤمنين ، ولهذا قال هنا : { وَآتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَابَ } الذي هو التوراة { وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ } يهتدون به في ظلمات الجهل إلى العلم بالحق . { أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً } أي : وقلنا لهم ذلك ، وأنزلنا إليهم الكتاب لذلك ، ليعبدوا الله وحده ، وينيبوا إليه ، ويتَّخذوه وحده وكيلاً ومدبراً لهم ، في أمر دينهم ودنياهم ، ولا يتعلقوا بغيره من المخلوقين الذين لا يملكون شيئاً ، ولا ينفعونهم بشيء . { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ } أي : يا ذرية من مننا عليهم ، وحملناهم مع نوح ، { إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً } ففيه التنويه بالثناء على نوح عليه السلام ، بقيامه بشكر الله ، واتصافه بذلك ، والحث لذريته أن يقتدوا به في شكره ويتابعوه عليه ، وأن يتذكروا نعمة الله عليهم ، إذ أبقاهم واستخلفهم في الأرض وأغرق غيرهم . { وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ } أي : تقدمنا وعهدنا إليهم ، وأخبرناهم في كتابهم ، أنهم لا بد أن يقع منهم إفساد في الأرض مرتين بعمل المعاصي ، والبطر لنعم الله ، والعلو في الأرض والتكبر فيها ، وأنه إذا وقع واحدة منهما ، سلط الله عليهم الأعداء ، وانتقم منهم ، وهذا تحذير لهم وإنذار ، لعلهم يرجعون فيتذكرون . { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا } أي : أولى المرتين اللتين يفسدون فيهما . أي : إذا وقع منهم ذلك الفساد { بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ } بعثاً قدرياً ، وسلطنا عليكم تسليطاً كونياً جزائياً { عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ } أي : ذوي شجاعة وعدد وعدة فنصرهم الله عليكم ، فقتلوكم وسبوا أولادكم ، ونهبوا أموالكم ، وجاسوا خلال دياركم فهتكوا الدور ، ودخلوا المسجد الحرام وأفسدوه . { وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً } لا بد من وقوعه ، لوجود سببه منهم . واختلف المفسرون في تعيين هؤلاء المسلطين ، إلا أنهم اتفقوا على أنهم قوم كفار . إما من أهل العراق ، أو الجزيرة ، أو غيرها ، سلطهم الله على بني إسرائيل لما كثرت فيهم المعاصي ، وتركوا كثيراً من شريعتهم ، وطغوا في الأرض . { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ } أي : على هؤلاء الذين سلطوا عليكم ، فأجليتموهم من دياركم . { وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ } أي : أكثرنا أرزاقكم ، وكثرناكم ، وقويناكم عليهم ، { وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً } منهم ، وذلك بسبب إحسانكم وخضوعكم لله . { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ } لأن النفع عائد إليكم ، حتى في الدنيا كما شاهدتم من انتصاركم على أعدائكم . { وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } أي : فلأنفسكم يعود الضرر ، كما أراكم الله من تسليط الأعداء . { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ } أي : المرة الآخرة التي تفسدون فيها في الأرض ، سلطنا أيضاً عليكم الأعداء . { لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ } بانتصارهم عليكم وسبيكم وليدخلوا المسجد الحرام كما دخلوه أول مرة ، والمراد بالمسجد ، مسجد بيت المقدس . { وَلِيُتَبِّرُواْ } أي : يخربوا ويدمروا { مَا عَلَوْاْ } عليه { تَتْبِيراً } فيخربوا بيوتكم ومساجدكم وحروثكم . { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ } فيديل لكم الكرة عليهم ، فرحمهم وجعل لهم الدولة . وتوعدهم على المعاصي فقال : { وَإِنْ عُدتُّمْ } إلى الإفساد في الأرض { عُدْنَا } إلى عقوبتكم ، فعادوا لذلك ، فسلط الله عليهم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم ، فانتقم الله به منهم ، فهذا جزاء الدنيا ، وما عند الله من النكال أعظم وأشنع ، ولهذا قال : { وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً } يصلونها ويلازمونها ، لا يخرجون منها أبداً . وفي هذه الآيات التحذير لهذه الأمة من العمل بالمعاصي لئلا يصيبهم ما أصاب بني إسرائيل ، فسنة الله واحدة لا تبدل ولا تغير . ومن نظر إلى تسليط الكفرة على المسلمين والظلمة ، عرف أن ذلك من أجل ذنوبهم ، عقوبة لهم ، وأنهم إذا أقاموا كتاب الله وسنة رسوله ، مكن لهم في الأرض ، ونصرهم على أعدائهم .