Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 41-44)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى أنه صرَّف لعباده في هذا القرآن ، أي : نوَّع الأحكام ووضحها ، وأكثر من الأدلة والبراهين على ما دعا إليه ، ووعظ وذكَّر ، لأجل أن يتذكَّروا ما ينفعهم فيسلكوه ، وما يضرهم فيدعوه . ولكن أبى أكثر الناس إلا نفوراً عن آيات الله ، لبغضهم للحق ، ومحبتهم ما كانوا عليه من الباطل ، حتى تعصبوا لباطلهم ، ولم يعيروا آيات الله لهم سمعاً ، ولا ألقوا لها بالاً . ومن أعظم ما صرف فيه الآيات والأدلة ، التوحيد الذي هو أصل الأصول ، فأمر به ، ونهى عن ضده ، وأقام عليه من الحجج العقلية والنقلية شيئاً كثيراً ، بحيث من أصغى إلى بعضها ، لا تدع في قلبه شكاً ولا ريباً . ومن الأدلة على ذلك هذا الدليل العقلي الذي ذكره هنا ، فقال : { قُلْ } للمشركين الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر : { لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ } أي : على موجب زعمهم وافترائهم ، { إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً } أي : لاتخذوا سبيلاً إلى الله بعبادته والإنابة إليه ، والتقرب وابتغاء الوسيلة ، فكيف يجعل العبد الفقير الذي يرى شدة افتقاره لعبودية ربه ، إلهاً مع الله ؟ ! هل هذا إلا من أظلم الظلم وأسفه السفه ؟ ! ! فعلى هذا المعنى ، تكون هذه الآية كقوله تعالى : { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ } [ الإسراء : 57 ] . وكقوله تعالى : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ * قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ } [ الفرقان : 17 - 18 ] . ويحتمل أن المعنى في قوله : { قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً } أي : لطلبوا السبيل ، وسعوا في مغالبة الله تعالى ، فإما أن يعلوا عليه فيكون من علا وقهر هو الرب الإله ، فأما وقد علموا أنهم يقرون أن آلهتهم التي يعبدون من دون الله مقهورة مغلوبة ، ليس لها من الأمر شيء ، فلم اتخذوها وهي بهذه الحال ؟ فيكون هذا كقوله تعالى : { مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } [ المؤمنون : 91 ] . { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ } أي : تقدس وتنزه وعلت أوصافه { عَمَّا يَقُولُونَ } من الشرك به ، واتخاذ الأنداد معه { عُلُوّاً كَبِيراً } فَعَلا قدره وعظم ، وجلّت كبرياؤه ، التي لا تقادر أن يكون معه آلهة ، فقد ضل من قال ذلك ضلالاً مبيناً ، وظلم ظلماً كبيراً . لقد تضاءلت لعظمته المخلوقات العظيمة ، وصغرت لدى كبريائه السماوات السبع ومن فيهن ، والأرضون السبع ومن فيهن { وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ } [ الزمر : 67 ] . وافتقر إليه العالم العلوي والسفلي ، فقراً ذاتياً ، لا ينفك عن أحد منهم في وقت من الأوقات . هذا الفقر بجميع وجوهه ، فقر من جهة الخلق والرزق والتدبير ، وفقر من جهة الاضطرار ، إلى أن يكون معبودهم ومحبوبهم ، الذي إليه يتقربون ، وإليه في كل حال يفزعون ، ولهذا قال : { تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ } من حيوان ناطق وغير ناطق ، ومن أشجار ونبات ، وجامد وحيٍّ وميت { إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ } بلسان الحال ، ولسان المقال . { وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } أي : تسبيح باقي المخلوقات التي على غير لغتكم بل يحيط بها علاّم الغيوب . { إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً } حيث لم يعاجل بالعقوبة من قال فيه قولاً تكاد السماوات والأرض تتفطر منه وتخر له الجبال ، ولكنه أمهلهم ، وأنعم عليهم ، وعافاهم ، ورزقهم ، ودعاهم إلى بابه ليتوبوا من هذا الذنب العظيم ، ليعطيهم الثواب الجزيل ، ويغفر لهم ذنبهم ، فلولا حلمه ومغفرته ، لسقطت السماوات على الأرض ، ولما ترك على ظهرها من دابة .