Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 53-55)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهذا من لطفه بعباده ، حيث أمرهم بأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال ، الموجبة للسعادة في الدنيا والآخرة ، فقال : { وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } وهذا أمر بكل كلام يقرب إلى الله ، من قراءة ، وذكر ، وعلم ، وأمر بمعروف ، ونهي عن منكر ، وكلام حسن لطيف مع الخلق على اختلاف مراتبهم ومنازلهم ، وأنه إذا دار الأمر بين أمرين حسنين ، فإنه يؤمر بإيثار أحسنهما إن لم يمكن الجمع بينهما . والقول الحسن داع لكل خلق جميل ، وعمل صالح ، فإن من ملك لسانه ، ملك جميع أمره . وقوله : { أَحْسَنُ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ } أي : يسعى بين العباد بما يفسد عليهم دينهم ودنياهم . فدواء هذا ، أن لا يطيعوه في الأقوال غير الحسنة التي يدعوهم إليها ، وأن يلينوا فيما بينهم لينقمع الشيطان الذي ينزغ بينهم ، فإنه عدوهم الحقيقي الذي ينبغي لهم أن يحاربوه ، فإنه يدعوهم { لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } [ فاطر : 6 ] . وأما إخوانهم ، فإنهم وإن نزغ الشيطان فيما بينهم ، وسعى في العداوة ، فإن الحزم كل الحزم ، السعي في ضد عدوهم ، وأن يقمعوا أنفسهم الأمارة بالسوء ، التي يدخل الشيطان من قبلها ، فبذلك يطيعون ربهم ، ويستقيم أمرهم ، ويهدون لرشدهم . { رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ } من أنفسكم ، فلذلك لا يريد لكم إلا ما هو الخير ، ولا يأمركم إلا بما فيه مصلحة لكم ، وقد تريدون شيئاً والخير في عكسه . { إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ } فيوفق من شاء لأسباب الرحمة ، ويخذل من شاء ، فيضل عنها ، فيستحق العذاب . { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً } تدبر أمرهم ، وتقوم بمجازاتهم ، وإنما الله هو الوكيل ، وأنت مبلغ هادٍ إلى صراطٍ مستقيم . { وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } من جميع أصناف الخلائق ، فيعطي كلاً منهم ما يستحقه تقتضيه حكمته ، ويفضل بعضهم على بعض في جميع الخصال ، الحسية والمعنوية ، كما فضل بعض النبيين المشتركين بوحيه على بعض بالفضائل والخصائص الراجعة إلى ما مَنَّ به عليهم ، من الأوصاف الممدوحة ، والأخلاق المرضية ، والأعمال الصالحة ، وكثرة الأتباع ، ونزول الكتب على بعضهم ، المشتملة على الأحكام الشرعية والعقائد المرضية ، كما أنزل على داود زبوراً ، وهو الكتاب المعروف . فإذا كان تعالى قد فضل بعضهم على بعض ، وآتى بعضهم كتباً ، فلم ينكر المكذبون لمحمد صلى الله عليه وسلم ما أنزله الله عليه وما فضله به من النبوة والكتاب .