Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 59-60)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يذكر تعالى رحمته بعدم إنزاله الآيات التي يقترح بها المكذبون ، وأنه ما منعه أن يرسلها إلا خوف من تكذيبهم لها ، فإذا كذبوا بها ، عاجلهم العقاب ، وحل بهم من غير تأخير ، كما فعل بالأولين الذين كذبوا بها . ومن أعظم الآيات ، الآية التي أرسلها الله إلى ثمود ، وهي الناقة العظيمة الباهرة ، التي كانت تصدر عنها جميع القبيلة بأجمعها ، ومع ذلك كذبوا بها ، فأصابهم ما قص الله علينا في كتابه ، وهؤلاء كذلك ، لو جاءتهم الآيات الكبار لم يؤمنوا ، فإنه ما منعهم من الإيمان خفاء ما جاء به الرسول واشتباهه ، هل هو حق أو باطل ؟ فإنه قد جاء من البراهين الكثيرة ، ما دلّ على صحة ما جاء به ، الموجب لهداية من طلب الهداية ، فغيرها مثلها ، فلا بد أن يسلكوا بها ما سلكوا بغيرها ، فترك إنزالها والحالة هذه ، خير لهم وأنفع . وقوله : { وَمَا نُرْسِلُ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً } أي : لم يكن القصد بها أن تكون داعية وموجبة للإيمان ، الذي لا يحصل إلا بها ، بل المقصود منها التخويف والترهيب ، ليرتدعوا عن ما هم عليه . { وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ } علماً وقدرة ، فليس لهم ملجأ يلجؤون إليه ، ولا ملاذ يلوذون به عنه ، وهذا كاف لمن له عقل في الانكفاف عما يكرهه الله الذي أحاط بالناس . { وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً } أكثر المفسرين على أنها ليلة الإسراء . { وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ } التي ذكرت { فِي ٱلقُرْآنِ } وهي شجرة الزقوم التي تنبت في أصل الجحيم . والمعنى ، إذا كان هذان الأمران ، قد صارا فتنة للناس حتى استلج الكفار بكفرهم ، وازداد شرهم ، وبعض من كان إيمانه ضعيفاً ، رجع عنه بسبب أن ما أخبرهم به من الأمور التي كانت ليلة الإسراء ، ومن الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، كان خارقاً للعادة . والإخبار بوجود شجرة تنبت في أصل الجحيم أيضاً ، من الخوارق ، فهذا الذي أوجب لهم التكذيب ، فكيف لو شاهدوا الآيات العظيمة والخوارق الجسيمة ؟ ! ! أليس ذلك أولى أن يزداد بسببه شرهم ؟ ! فلذلك رحمهم الله وصرفها عنهم ، ومن هنا تعلم أن عدم التصريح في الكتاب والسنة ، بذكر الأمور العظيمة التي حدثت في الأزمنة المتأخرة ، أولى وأحسن ، لأن الأمور التي لم يشاهد الناس لها نظيراً ، ربما لا تقبلها عقولهم لو أخبروا بها قبل وقوعها ، فيكون ذلك ريباً في قلوب بعض المؤمنين ، ومانعاً يمنع من لم يدخل الإسلام ، ومنفراً عنه . بل ذكر الله ألفاظاً عامة ، تتناول جميع ما يكون . { وَنُخَوِّفُهُمْ } بالآيات { فَمَا يَزِيدُهُمْ } التخويف { إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً } وهذا أبلغ ما يكون في التملي بالشر ومحبته ، وبغض الخير وعدم الانقياد له .