Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 61-65)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ينبه تبارك وتعالى عباده على شدة عداوة الشيطان ، وحرصه على إضلالهم ، وأنه لما خلق الله آدم ، استكبر عن السجود له ، و { قَالَ } متكبراً : { أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } أي : من طين ، وبزعمه أنه خير منه ، لأنه خلق من نار . وقد تقدم فساد هذا القياس الباطل من عدة أوجه . فلما تبين لإبليس تفضيل الله لآدم { قَالَ } مخاطباً لله : { أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ } أي : لأستأصلنهم بالإضلال ، ولأغوينهم { إِلاَّ قَلِيلاً } عرف الخبيث ، أنه لا بد أن يكون منهم من يعاديه ويعصيه . فقال الله له : { ٱذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ } واختارك على ربه ووليه الحق ، { فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً } أي : مدخراً لكم ، موفراً جزاء أعمالكم . ثم أمره الله أن يفعل كل ما يقدر عليه من إضلالهم ، فقال : { وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ } ويدخل في هذا كل داع إلى المعصية . { وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ } ويدخل فيه كل راكب وماش في معصية الله ، فهو من خيل الشيطان ورجله . والمقصود أن الله ابتلى العباد بهذا العدو المبين ، الداعي لهم إلى معصية الله ، بأقواله وأفعاله . { وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلادِ } وذلك شامل لكل معصية تعلقت بأموالهم وأولادهم ، من منع الزكاة والكفارات والحقوق الواجبة ، وعدم تأديب الأولاد وتربيتهم على الخير وترك الشر ، وأخذ الأموال بغير حقها ، أو وضعها بغير حقها ، أو استعمال المكاسب الردية . بل ذكر كثير من المفسرين ، أنه يدخل في مشاركة الشيطان في الأموال والأولاد ، ترك التسمية عند الطعام والشراب والجماع ، وأنه إذا لم يسم الله في ذلك ، شارك فيه الشيطان ، كما ورد فيه الحديث . { وَعِدْهُمْ } الوعود المزخرفة التي لا حقيقة لها ، ولهذا قال : { وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً } أي : باطلاً مضمحلاً ، كأن يزين لهم المعاصي والعقائد الفاسدة ، ويعدهم عليها الأجر ، لأنهم يظنون أنهم على الحق ، وقال تعالى : { ٱلشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً } [ البقرة : 268 ] . ولما أخبر عما يريد الشيطان أن يفعل بالعباد ، وذكر ما يعتصم به من فتنته ، وهو عبودية الله ، والقيام بالإيمان والتوكل فقال : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } أي : تسلط وإغواء ، بل الله يدفع عنهم - بقيامهم بعبوديته - كل شر ، ويحفظهم من الشيطان الرجيم ، ويقوم بكفايتهم . { وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلاً } لمن توكل عليه ، وأدى ما أمر به .