Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 66-69)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يذكر تعالى نعمته على العباد ، بما سخر لهم من الفلك ، والسفن والمراكب ، وألهمهم كيفية صنعتها ، وسخر لها البحر الملتطم ، يحملها على ظهره ، لينتفع العباد بها في الركوب ، والحمل للأمتعة والتجارة . وهذا من رحمته بعباده ، فإنه لم يزل بهم رحيماً رؤوفاً ، يؤتيهم من كل ما تعلقت به إرادتهم ومنافعهم . ومن رحمته الدالة على أنه وحده المعبود دون ما سواه ، أنهم إذا مسهم الضر في البحر فخافوا من الهلاك لتراكم الأمواج ، ضل عنهم ما كانوا يدعون من دون الله في حال الرخاء من الأحياء والأموات ، فكأنهم لم يكونوا يدعونهم في وقت من الأوقات لعلمهم أنهم ضعفاء عاجزون عن كشف الضر ، وصرخوا بدعوة فاطر الأرض والسماوات الذي تستغيث به في شدائدها جميع المخلوقات ، وأخلصوا له الدعاء والتضرع في هذه الحال . فلما كشف الله عنهم الضر ، ونجاهم إلى البر ، ونسوا ما كانوا يدعون إليه من قبل وأشركوا به ، من لا ينفع ولا يضر ، ولا يعطي ولا يمنع ، وأعرضوا عن الإخلاص لربهم ومليكهم ، وهذا من جهل الإنسان وكفره ، فإن الإنسان كفور للنعم ، إلا من هدى الله ، فمن عليه بالعقل السليم ، واهتدى إلى الصراط المستقيم ، فإنه يعلم ، أن الذي يكشف الشدائد ، وينجي من الأهوال ، هو الذي يستحق أن يفرد وتخلص له سائر الأعمال ، في الشدة والرخاء ، واليسر والعسر . وأما من خذل ، ووكل إلى عقله الضعيف ، فإنه لم يلحظ وقت الشدة إلا مصلحته الحاضرة ، وإنجاءه في تلك الحال . فلما حصلت له النجاة ، وزالت عنه المشقة ، ظن بجهله أنه قد أعجز الله ، ولم يخطر بقلبه شيء من العواقب الدنيوية ، فضلاً عن أمور الآخرة . ولهذا ذكرهم الله بقوله : { أَفَأَمِنْتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ ٱلْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً } أي : فهو على كل شيء قدير ، إن شاء أنزل عليكم عذاباً ، من أسفل منكم بالخسف ، أو من فوقكم بالحاصب ، وهو العذاب الذي يحصبهم فيصبحوا هالكين ، فلا تظنوا أن الهلاك لا يكون إلا في البحر . وإن ظننتم ذلك ، فأنتم آمنون من { أَن يُعِيدَكُمْ } في البحر { تَارَةً أُخْرَىٰ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِّنَ ٱلرِّيحِ } أي : ريحاً شديدة جداً تقصف ما أتت عليه . { فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً } أي : تبعة ومطالبة ، فإن الله لم يظلمكم مثقال ذرة .