Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 12-15)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
دلّ الكلام السابق على ولادة يحيى ، وشبابه ، وتربيته ، فلما وصل إلى حالة يفهم فيها الخطاب أمره الله أن يأخذ الكتاب بقوة ، أي : بجد واجتهاد ، وذلك بالاجتهاد في حفظ ألفاظه ، وفهم معانيه ، والعمل بأوامره ونواهيه ، هذا تمام أخذ الكتاب بقوة ، فامتثل أمر ربه ، وأقبل على الكتاب ، فحفظه وفهمه ، وجعل الله فيه من الذكاء والفطنة ، ما لا يوجد في غيره ، ولهذا قال : { وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً } أي : معرفة أحكام الله والحكم بها ، وهو في حال صغره وصباه . { وَ } آتيناه أيضا { حَنَاناً مِّن لَّدُنَّا } أي : رحمة ورأفة ، تيسرت بها أموره ، وصلحت بها أحواله ، واستقامت بها أفعاله . { وَزَكَاةً } أي : طهارة من الآفات والذنوب ، فطهر قلبه وتزكى عقله ، وذلك يتضمن زوال الأوصاف المذمومة ، والأخلاق الرديئة ، وزيادة الأخلاق الحسنة ، والأوصاف المحمودة ، ولهذا قال : { وَكَانَ تَقِيّاً } أي : فاعلاً للمأمور ، تاركاً للمحظور ، ومن كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً ، وكان من أهل الجنة التي أعدت للمتقين ، وحصل له من الثواب الدنيوي والأخروي ، ما رتبه الله على التقوى . { وَ } كان أيضا { بَرّاً بِوَالِدَيْهِ } أي : لم يكن عاقاً ، ولا مسيئاً إلى أبويه ، بل كان محسناً إليهما بالقول والفعل . { وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً } أي : لم يكن متجبراً متكبراً عن عبادة الله ، ولا مترفعاً على عباد الله ، ولا على والديه ، بل كان متواضعاً ، متذللاً ، مطيعاً ، أوَّاباً لله على الدوام ، فجمع بين القيام بحق الله ، وحق خلقه ، ولهذا حصلت له السلامة من الله ، في جميع أحواله ، مبادئها وعواقبها ، فلهذا قال : { وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً } وذلك يقتضي سلامته من الشيطان ، والشر ، والعقاب في هذه الأحوال الثلاثة وما بينها ، وأنه سالم من النار والأهوال ، ومن أهل دار السلام ، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى والده وعلى سائر المرسلين ، وجعلنا من أتباعهم ، إنه جواد كريم .