Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 101-103)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي : ولما جاءهم هذا الرسول الكريم بالكتاب العظيم بالحق الموافق لما معهم ، وكانوا يزعمون أنهم متمسكون بكتابهم ، فلما كفروا بهذا الرسول وبما جاء به { نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ } الذي أنزل إليهم أي : طرحوه رغبةً عنه { وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ } وهذا أبلغ في الإعراض كأنهم في فعلهم هذا من الجاهلين وهم يعلمون صدقه ، وحقيّة ما جاء به . تبين بهذا أن هذا الفريق من أهل الكتاب لم يبق في أيديهم شيء حيث لم يؤمنوا بهذا الرسول ، فصار كفرهم به كفراً بكتابهم من حيث لا يشعرون . ولما كان من العوائد القدرية والحكمة الإلهية أن من ترك ما ينفعه ، وأمكنه الانتفاع به فلم ينتفع ، ابتلي بالاشتغال بما يضره ، فمن ترك عبادة الرحمن ، ابتلي بعبادة الأوثان ، ومن ترك محبة الله وخوفه ورجاءه ، ابتلي بمحبة غير الله وخوفه ورجائه ، ومن لم ينفق ماله في طاعة الله أنفقه في طاعة الشيطان ، ومن ترك الذل لربه ، ابتلي بالذل للعبيد ، ومن ترك الحق ابتلي بالباطل . كذلك هؤلاء اليهود لما نبذوا كتاب الله اتبعوا ما تتلوا الشياطين وتختلق من السحر على ملك سليمان حيث أخرجت الشياطين للناس السحر ، وزعموا أن سليمان عليه السلام كان يستعمله ، وبه حصل له الملك العظيم . وهم كذبةً في ذلك ، فلم يستعمله سليمان ، بل نزَّهه الصادق في قيله : { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ } أي : بتعلم السحر ، فلم يتعلمه ، { وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ كَفَرُواْ } بذلك . { يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ } من إضلالهم وحرصهم على إغواء بني آدم ، وكذلك اتبع اليهود السحر الذي أنزل على الملكين الكائنين بأرض بابل من أرض العراق ، أنزل عليهما السحر امتحاناً وابتلاءً من الله لعباده فيعلمانهم السحر . { وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ } ينصحاه ، و { يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ } أي : لا تتعلم السحر فإنه كفر ، فينهيانه عن السحر ، ويخبرانه عن مرتبته ، فتعليم الشياطين للسحر على وجه التدليس والإضلال ، ونسبته وترويجه إلى من برأه الله منه وهو سليمان عليه السلام ، وتعليم الملكين امتحاناً مع نصحهما لئلا يكون لهم حجة . فهؤلاء اليهود يتبعون السحر الذي تعلمه الشياطين ، والسحر الذي يعلمه الملكان ، فتركوا علم الأنبياء والمرسلين وأقبلوا على علم الشياطين ، وكلٌّ يَصبُو إلى ما يناسبه . ثم ذكر مفاسد السحر ، فقال : { فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَزَوْجِهِ } مع أن محبة الزوجين لا تقاس بمحبة غيرهما ، لأن الله قال في حقهما : { وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } [ الروم : 21 ] وفي هذا دليل على أن السحر له حقيقة ، وأنه يضر بإذن الله ، أي : بإرادة الله ، والإذن نوعان : إذن قدري ، وهو المتعلق بمشيئة الله ، كما في هذه الآية ، وإذن شرعي كما في قوله تعالى في الآية السابقة : { فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } [ البقرة : 97 ] وفي هذه الآية وما أشبهها أن الأسباب مهما بلغت في قوة التأثير ، فإنها تابعة للقضاء والقدر ليست مستقلة في التأثير ، ولم يخالف في هذا الأصل أحدٌ من فرق الأمة غير القدرية في أفعال العباد ، زعموا أنها مستقلة غير تابعة للمشيئة ، فأخرجوها عن قدرة الله ، فخالفوا كتاب الله وسنّة رسوله وإجماع الصحابة والتابعين . ثم ذكر أن علم السحر مضرة محضة ، ليس فيه منفعة لا دينية ولا دنيوية كما يوجد بعض المنافع الدنيوية في بعض المعاصي ، كما قال تعالى في الخمر والميسر : { قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا } [ البقرة : 219 ] فهذا السحر مضرة محضة ، فليس له داع أصلاً ، فالمنهيات كلها إما مضرة محضة ، أو شرها أكبر من خيرها . كما أن المأمورات إما مصلحة محضة ، أو خيرها أكثر من شرها . { وَلَقَدْ عَلِمُواْ } أي : اليهود { لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ } أي : رغب في السحر رغبة المشتري في السلعة . { مَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَٰـقٍ } أي : نصيب ، بل هو موجب للعقوبة ، فلم يكن فعلهم إياه جهلاً ولكنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة . { وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } علماً يثمر العمل ما فعلوه .