Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 130-134)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي : ما يرغب { عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ } بعد ما عرف من فضله { إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ } أي : جهلها وامتهنها ورضي لها بالدون ، وباعها بصفقة المغبون ، كما أنه لا أرشد وأكمل ، ممن رغب في ملة إبراهيم ، ثم أخبر عن حالته في الدنيا والآخرة فقال : { وَلَقَدِ ٱصْطَفَيْنَاهُ فِي ٱلدُّنْيَا } أي : اخترناه ووفقناه للأعمال ، التي صار بها من المصطفين الأخيار . { وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } الذين لهم أعلى الدرجات . { إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ } امتثالاً لربه { أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } إخلاصاً وتوحيداً ، ومحبة وإنابة ، فكان التوحيد لله نعته . ثم ورثه في ذريته ووصاهم به ، وجعلها كلمة باقية في عقبه ، وتوارثت فيهم ، حتى وصلت ليعقوب فوصَّى بها بنيه . فأنتم - يا بني يعقوب - قد وصاكم أبوكم بالخصوص ، فيجب عليكم كمال الانقياد ، واتباع خاتم الأنبياء قال : { يَابَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ } أي : اختاره وتخيره لكم رحمة بكم ، وإحساناً إليكم ، فقوموا به واتصفوا بشرائعه ، وانصبغوا بأخلاقه ، حتى تستمروا على ذلك فلا يأتيكم الموت إلا وأنتم عليه ، لأن من عاش على شيء مات عليه ، ومن مات على شيء بعث عليه . ولما كان اليهود يزعمون أنهم على ملَّة إبراهيم ، ومن بعده يعقوب ، قال تعالى منكراً عليهم : { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ } أي : حضوراً { إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ } أي : مقدماته وأسبابه ، فقال لبنيه على وجه الاختبار ، ولتقرَّ عينه في حياته بامتثالهم ما وصاهم به : { مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي } ؟ فأجابوه بما قرّت به عينه فقالوا : { نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـٰهاً وَاحِداً } فلا نشرك به شيئاً ، ولا نعدل به أحداً ، { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } فجمعوا بين التوحيد والعمل . ومن المعلوم أنهم لم يحضروا يعقوب ، لأنهم لم يوجدوا بعد ، فإذا لم يحضروا ، فقد أخبر الله عنه أنه وصى بنيه بالحنيفية لا باليهودية . ثم قال تعالى : { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ } أي : مضت { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ } أي : كل له عمله ، وكل سيجازى بما فعله ، لا يؤخذ أحد بذنب أحد ، ولا ينفع أحداً إلا إيمانه وتقواه فاشتغالكم بهم وادعاؤكم أنكم على ملتهم ، والرضا بمجرد القول ، أمر فارغ لا حقيقة له ، بل الواجب عليكم أن تنظروا حالتكم التي أنتم عليها ، هل تصلح للنجاة أم لا ؟