Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 138-138)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي : الزموا صبغة الله ، وهو دينه ، وقوموا به قياماً تاماً بجميع أعماله الظاهرة والباطنة ، وجميع عقائده في جميع الأوقات ، حتى يكون لكم صبغةً وصفةً من صفاتكم ، فإذا كان صفة من صفاتكم ، أوجب ذلك لكم الانقياد لأوامره ، طوعاً واختياراً ومحبة ، وصار الدين طبيعة لكم بمنزلة الصبغ التام للثوب الذي صار له صفة ، فحصلت لكم السعادة الدنيوية والأخروية ، لحث الدين على مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ومعالي الأمور ، فلهذا قال - على سبيل التعجب المتقرر للعقول الزكية - : { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً } أي : لا أحسن صبغة من صَبْغته . وإذا أردت أن تعرف نموذجاً يبين لك الفرق بين صبغة الله وبين غيرها من الصبغ ، فقس الشيء بضده ، فكيف ترى في عبد آمن بربه إيماناً صحيحاً ، أثر معه خضوع القلب وانقياد الجوارح ، فلم يزل يتحلى بكل وصف حسن ، وفعل جميل ، وخلق كامل ، ونعت جليل ، ويتخلى من كل وصف قبيح ، ورذيلة وعيب ، فوَصْفَه : الصدق في قوله وفعله ، والصبر والحلم ، والعفة ، والشجاعة ، والإحسان القولي والفعلي ، ومحبة الله وخشيته ، وخوفه ورجاؤه ، فحاله الإخلاص للمعبود ، والإحسان لعبيده ، فقسه بعبد كفر بربه وشرد عنه ، وأقبل على غيره من المخلوقين فاتصف بالصفات القبيحة ، من الكفر ، والشرك ، والكذب ، والخيانة ، والمكر ، والخداع ، وعدم العفة ، والإساءة إلى الخلق في أقواله وأفعاله ، فلا إخلاص للمعبود ، ولا إحسان إلى عبيده . فإنه يظهر لك الفرق العظيم بينهما ، ويتبين لك أنه لا أحسن صبغة من صبغة الله ، وفي ضمنه أنه لا أقبح صبغة ممن انصبغ بغير دينه . وفي قوله : { وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ } بيان لهذه الصبغة ، وهي القيام بهذين الأصلين : الإخلاص والمتابعة ، لأن " العبادة " : اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال ، والأقوال الظاهرة والباطنة ، ولا تكون كذلك حتى يشرعها الله على لسان رسوله ، والإخلاص : أن يقصد العبد وجه الله وحده في تلك الأعمال ، فتقديم المعمول يؤذن بالحصر . وقال : { وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ } فوصفهم باسم الفاعل الدال على الثبوت والاستقرار ليدل على اتصافهم بذلك وكونه صار صبغة لهم ملازماً .