Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 140-140)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهذه دعوى أخرى منهم ، ومحاجة في رسل الله ، زعموا أنهم أولى بهؤلاء الرسل المذكورين من المسلمين . فرد الله عليهم بقوله : { أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ ٱللَّهُ } فالله يقول : { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ آل عمران : 67 ] وهم يقولون : بل كان يهودياً أو نصرانياً . فإما أن يكونوا هم الصادقين العالمين ، أو يكون الله تعالى هو الصادق العالم بذلك ، فأحد الأمرين متعين لا محالة ، وصورة الجواب مبهم ، وهو في غاية الوضوح والبيان ، حتى إنه من وضوحه لم يحتج أن يقول بل الله أعلم وهو أصدق ، ونحو ذلك ، لانجلائه لكل أحد ، كما إذا قيل : الليل أنور ، أم النهار ؟ والنار أحرّ أم الماء ؟ والشرك أحسن أم التوحيد ؟ ونحو ذلك . وهذا يعرفه كل من له أدنى عقل ، حتى إنهم بأنفسهم يعرفون ذلك ، ويعرفون أن إبراهيم وغيره من الأنبياء لم يكونوا هوداً ولا نصارى ، فكتموا هذا العلم وهذه الشهادة ، فلهذا كان ظلمهم أعظم الظلم . ولهذا قال تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ ٱللَّهِ } فهي شهادة عندهم ، مودعة من الله ، لا من الخلق ، فيقتضي الاهتمام بإقامتها ، فكتموها وأظهروا ضدها ، جمعوا بين كَتْم الحق وعدم النطق به ، وإظهار الباطل والدعوة إليه ، أليس هذا أعظم الظلم ؟ بلى والله ، وسيعاقبهم عليه أشد العقوبة ، فلهذا قال : { وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } بل قد أحصى أعمالهم وعدَّها وادّخر لهم جزاءها ، فبئس الجزاء جزاؤهم ، وبئست النار مثوى للظالمين ، وهذه طريقة القرآن في ذكر العلم والقدرة ، عقب الآيات المتضمنة للأعمال التي يجازى عليها . فيفيد ذلك الوعد والوعيد ، والترغيب والترهيب ، ويفيد أيضاً ذكر الأسماء الحسنى بعد الأحكام ، أن الأمر الديني والجزائي أثر من آثارها ، وموجب من موجباتها ، وهي مقتضية له .