Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 153-153)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أمر الله تعالى المؤمنين بالاستعانة على أمورهم الدينية والدنيوية { بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ } فالصبر هو : حبس النفس وكفها عما تكره ، فهو ثلاثة أقسام : صبرها على طاعة الله حتى تؤديها ، وعن معصية الله حتى تتركها ، وعلى أقدار الله المؤلمة فلا تتسخطها ، فالصبر هو المعونة العظيمة على كل أمر ، فلا سبيل لغير الصابر أن يدرك مطلوبه ، خصوصاً الطاعات الشاقة المستمرة ، فإنها مفتقرة أشد الافتقار إلى تحمل الصبر ، وتجرع المرارة الشاقة ، فإذا لازم صاحبها الصبر فاز بالنجاح ، وإن رده المكروه والمشقة عن الصبر والملازمة عليها ، لم يدرك شيئاً وحصل على الحرمان ، وكذلك المعصية التي تشتد دواعي النفس ونوازعها إليها وهي في محل قدرة العبد ، فهذه لا يمكن تركها إلا بصبر عظيم وكف لدواعي قلبه ونوازعها لله تعالى ، واستعانة بالله على العصمة منها ، فإنها من الفتن الكبار . وكذلك البلاء الشاق خصوصاً إن استمر ، فهذا تضعف معه القوى النفسانية والجسدية ، ويوجد مقتضاها وهو التسخط ، إن لم يقاومها صاحبها بالصبر لله والتوكل عليه ، واللجأ إليه والافتقار على الدوام . فعلمت أن الصبر محتاج إليه العبد ، بل مضطر إليه في كل حالة من أحواله ، فلهذا أمر الله تعالى به ، وأخبر أنه { مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } أي : مع من كان الصبر لهم خلقاً وصفة ، وملكة بمعونته وتوفيقه وتسديده ، فهانت عليهم بذلك المشاق والمكاره ، وسهل عليهم كل عظيم ، وزالت عنهم كل صعوبة ، وهذه معية خاصة تقتضي محبته ومعونته ونصره وقربه ، وهذه [ منقبة عظيمة ] للصابرين ، فلو لم يكن للصابرين فضيلة إلا أنهم فازوا بهذه المعية من الله لكفى بها فضلاً وشرفاً ، وأما المعية العامة فهي معية العلم والقدرة ، كما في قوله تعالى : { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ } [ الحديد : 4 ] وهذه عامة للخلق . وأمر تعالى بالاستعانة بالصلاة لأن الصلاة هي عماد الدين ونور المؤمنين ، وهي الصلة بين العبد وبين ربه ، فإذا كانت صلاة العبد صلاة كاملة ، مجتمعاً فيها ما يلزم فيها ، وما يسن ، وحصل فيها حضور القلب الذي هو لبها ، فصار العبد إذا دخل فيها استشعر دخوله على ربه ، ووقوفه بين يديه موقف العبد الخادم المتأدب ، مستحضراً لكل ما يقوله وما يفعله ، مستغرقاً بمناجاة ربه ودعائه لا جرم أن هذه الصلاة ، من أكبر المعونة على جميع الأمور ، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، ولأن هذا الحضور الذي يكون في الصلاة ، يوجب للعبد في قلبه وصفاً ، وداعياً يدعوه إلى امتثال أوامر ربه واجتناب نواهيه ، هذه هي الصلاة التي أمر الله أن نستعين بها على كل شيء .