Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 151-152)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى : إن إنعامنا عليكم باستقبال الكعبة وإتمامها بالشرائع والنعم المتممة ، ليس ذلك ببدع من إحساننا ، ولا بأوله ، بل أنعمنا عليكم بأصول النعم ومتمماتها ، فأبلغُها إرسالنا إليكم هذا الرسول الكريم منكم ، تعرفون نسبه وصدقه وأمانته وكماله ونصحه . { يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا } وهذا يعم الآيات القرآنية وغيرها ، فهو يتلو عليكم الآيات المبينة للحق من الباطل ، والهدى من الضلال ، التي دلتكم أولا على توحيد الله وكماله ، ثم على صدق رسوله ووجوب الإيمان به ، ثم على جميع ما أخبر به من المعاد والغيوب ، حتى حصل لكم الهداية التامة والعلم اليقيني . { وَيُزَكِّيكُمْ } أي : يطهر أخلاقكم ونفوسكم ، بتربيتها على الأخلاق الجميلة ، وتنزيهها عن الأخلاق الرذيلة ، وذلك كتزكيتهم من الشرك إلى التوحيد ، ومن الرياء إلى الإخلاص ، ومن الكذب إلى الصدق ، ومن الخيانة إلى الأمانة ، ومن الكبر إلى التواضع ، ومن سوء الخلق إلى حسن الخلق ، ومن التباغض والتهاجر والتقاطع إلى التحاب والتواصل والتوادد ، وغير ذلك من أنواع التزكية . { وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَابَ } أي : القرآن ، ألفاظه ومعانيه ، { وَٱلْحِكْمَةَ } قيل : هي السنة ، وقيل : الحكمة : معرفة أسرار الشريعة والفقه فيها ، وتنزيل الأمور منازلها . فيكون - على هذا - تعليم السنة داخلاً في تعليم الكتاب ، لأن السنة تبين القرآن وتفسره ، وتعبر عنه ، { وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } لأنهم كانوا قبل بعثته في ضلال مبين ، لا علم ولا عمل ، فكل علم أو عمل نالته هذه الأمة فعلى يده صلى الله عليه وسلم وبسببه كان ، فهذه النعم هي أصول النعم على الإطلاق ، ولهي أكبر نعم ينعم بها على عباده ، فوظيفتهم شكر الله عليها والقيام بها ، فلهذا قال تعالى : { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ } فأمر تعالى بذكره ، ووعد عليه أفضل جزاء ، وهو ذكره لمن ذكره ، كما قال تعالى على لسان رسوله : " من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم " . وذِكْر الله تعالى أفضله ما تواطأ عليه القلب واللسان ، وهو الذكر الذي يثمر معرفة الله ومحبته وكثرة ثوابه ، والذكر هو رأس الشكر ، فلهذا أمر به خصوصاً ، ثم من بعده أمر بالشكر عموماً ، فقال : { وَٱشْكُرُواْ لِي } أي : على ما أنعمت عليكم بهذه النعم ، ودفعت عنكم صنوف النقم ، والشكر يكون بالقلب إقراراً بالنعم واعترافاً ، وباللسان ذكراً وثناء ، وبالجوارح طاعة لله وانقياداً لأمره واجتناباً لنهيه ، فالشكر فيه بقاء النعمة الموجودة ، وزيادة في النعم المفقودة ، قال تعالى : { لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ } [ إبراهيم : 7 ] وفي الإتيان بالأمر بالشكر ، بعد النعم الدينية ، من العلم وتزكية الأخلاق والتوفيق للأعمال ، بيان أنها أكبر النعم ، بل هي النعم الحقيقية التي تدوم إذا زال غيرها ، وأنه ينبغي لمن وفقوا لعلم أو عمل ، أن يشكروا الله على ذلك ، ليزيدهم من فضله ، وليندفع عنهم الإعجاب ، فيشتغلوا بالشكر . ولما كان الشكر ضده الكفر ، نهى عن ضده ، فقال : { وَلاَ تَكْفُرُونِ } المراد بالكفر هاهنا ما يقابل الشكر ، فهو كفر النعم وجحدها وعدم القيام بها ، ويحتمل أن يكون المعنى عاماً ، فيكون الكفر أنواعاً كثيرة ، أعظمه الكفر بالله ، ثم أنواع المعاصي على اختلاف أنواعها وأجناسها من الشرك فما دونه .