Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 155-157)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أخبر تعالى أنه لا بد أن يبتلي عباده بالمحن ، ليتبين الصادق من الكاذب ، والجازع من الصابر ، وهذه سنته تعالى في عباده لأن السراء لو استمرت لأهل الإيمان ، ولم يحصل معها محنة لحصل الاختلاط الذي هو فساد ، وحكمة الله تقتضي تمييز أهل الخير من أهل الشر . هذه فائدة المحن ، لا إزالة ما مع المؤمنين من الإيمان ، ولا ردهم عن دينهم ، فما كان الله ليضيع إيمان المؤمنين ، فأخبر في هذه الآية أنه سيبتلي عباده { بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ } من الأعداء { وَٱلْجُوعِ } أي : بشيء يسير منهما لأنه لو ابتلاهم بالخوف كله أو الجوع لهلكوا ، والمحن تمحص لا تهلك . { وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ } وهذا يشمل جميع النقص المعتري للأموال من جوائح سماوية ، وغرق وضياع ، وأخذ الظلمة للأموال ، من الملوك الظلمة وقطاع الطريق وغير ذلك . { وَٱلأَنفُسِ } أي : ذهاب الأحباب من الأولاد والأقارب والأصحاب ، ومن أنواع الأمراض في بدن العبد ، أو بدن من يحبه ، { وَٱلثَّمَرَاتِ } أي : الحبوب ، وثمار النخيل ، والأشجار كلها ، والخضر ببرد أو بَرَدٍ ، أو حرق ، أو آفة سماوية ، من جراد ونحوه . فهذه الأمور لا بد أن تقع ، لأن العليم الخبير أخبر بها ، فوقعت كما أخبر ، فإذا وقعت انقسم الناس قسمين : جازعين وصابرين ، فالجازع حصلت له المصيبتان ، فوات المحبوب ، وهو وجود هذه المصيبة ، وفوات ما هو أعظم منها ، وهو الأجر بامتثال أمر الله بالصبر ، ففاز بالخسارة والحرمان ، ونقص ما معه من الإيمان ، وفاته الصبر والرضا والشكران ، وحصل [ له ] السخط الدال على شدة النقصان . وأما من وفقه الله للصبر عند وجود هذه المصائب ، فحبس نفسه عن التسخط ، قولاً وفعلاً واحتسب أجرها عند الله ، وعلم أن ما يدركه من الأجر بصبره أعظم من المصيبة التي حصلت له ، بل المصيبة تكون نعمة في حقه ، لأنها صارت طريقاً لحصول ما هو خير له وأنفع منها ، فقد امتثل أمر الله ، وفاز بالثواب ، فلهذا قال تعالى : { وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ } أي : بشِّرهم بأنهم يوفون أجرهم بغير حساب ، فالصابرين هم الذين فازوا بالبشارة العظيمة والمنحة الجسيمة ، ثم وصفهم بقوله : { ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ } وهي كل ما يؤلم القلب أو البدن أو كليهما مما تقدم ذكره . { قَالُواْ إِنَّا للَّهِ } أي : مملوكون لله ، مدبرون تحت أمره وتصريفه ، فليس لنا من أنفسنا وأموالنا شيء ، فإذا ابتلانا بشيء منها فقد تصرف أرحم الراحمين بمماليكه وأموالهم ، فلا اعتراض عليه ، بل من كمال عبودية العبد علمه بأن وقوع البلية من المالك الحكيم الذي أرحم بعبده من نفسه ، فيوجب له ذلك الرضا عن الله ، والشكر له على تدبيره ، لما هو خير لعبده وإن لم يشعر بذلك ، ومع أننا مملوكون لله ، فإنا إليه راجعون يوم المعاد ، فمجاز كل عامل بعمله ، فإن صبرنا واحتسبنا وجدنا أجرنا موفوراً عنده ، وإن جزعنا وسخطنا لم يكن حظنا إلا السخط وفوات الأجر ، فكون العبد لله وراجعٌ إليه من أقوى أسباب الصبر . { أُولَـٰئِكَ } الموصوفون بالصبر المذكور { عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ } أي : ثناء وتنويه بحالهم { وَرَحْمَةٌ } عظيمة ، ومن رحمته إياهم أن وفقهم للصبر الذي ينالون به كمال الأجر ، { وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ } الذين عرفوا الحق ، وهو في هذا الموضع علمُهُم بأنهم لله وأنهم إليه راجعون ، وعملوا به وهو هنا صبرهم لله . ودلَّت هذه الآية على أن من لم يصبر فله ضد ما لهم ، فحصل له الذم من الله والعقوبة والضلال والخسار ، فما أعظم الفرق بين الفريقين وما أقل تعب الصابرين ، وأعظم عناء الجازعين ، فقد اشتملت هاتان الآيتان على توطين النفوس على المصائب قبل وقوعها ، لتخف وتسهل إذا وقعت ، وبيان ما تقابل به إذا وقعت وهو الصبر ، وبيان ما يعين على الصبر ، وما للصابر من الأجر ، ويعلم حال غير الصابر بضد حال الصابر . وأن هذا الابتلاء والامتحان سنة الله التي قد خلت ، ولن تجد لسنة الله تبديلاً ، وبيان أنواع المصائب .