Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 158-158)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى أن الصفا والمروة وهما معروفان { مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ } أي : أعلام دينه الظاهرة ، التي تعبّد الله بها عباده ، وإذا كانا من شعائر الله ، فقد أمر الله بتعظيم شعائره فقال : { وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ } [ الحج : 32 ] فدلَّ مجموع النصَّين أنهما من شعائر الله ، وأن تعظيم شعائره من تقوى القلوب . والتقوى واجبة على كل مكلف ، وذلك يدل على أن السعي بهما فرض لازم للحج والعمرة كما عليه الجمهور ، ودلت عليه الأحاديث النبوية وفعله النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال : " خذوا عني مناسككم " . { فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا } هذا دفع لوهم من توهم وتحرج من المسلمين عن الطواف بينهما ، لكونهما في الجاهلية تعبد عندهما الأصنام ، فنفى تعالى الجناح لدفع هذا الوهم ، لا لأنه غير لازم . ودل تقييد نفي الجناح فيمن تطوف بهما في الحج والعمرة ، أنه لا يتطوع بالسعي مفرداً إلا مع انضمامه لحج أو عمرة ، بخلاف الطواف بالبيت ، فإنه يشرع مع العمرة والحج ، وهو عبادة مفردة . فأما السعي والوقوف بعرفة ومزدلفة ورمي الجمار ، فإنها تتبع النسك ، فلو فعلت غير تابعة للنسك كانت بدعة ، لأن البدعة نوعان : نوع يتعبد لله بعبادة لم يشرعها أصلاً ، ونوع يتعبد له بعبادة قد شرعها على صفة مخصوصة ، فتفعل على غير تلك الصفة وهذا منه . وقوله : { وَمَن تَطَوَّعَ } أي : فعل طاعة مخلصا بها لله تعالى { خَيْراً } من حج ، وعمرة ، وطواف ، وصلاة ، وصوم وغير ذلك { فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ } [ البقرة : 184 ] فدلَّ هذا على أنه كلما ازداد العبد من طاعة الله ، ازداد خيره وكماله ودرجته عند الله ، لزيادة إيمانه . ودل تقييد التطوع بالخير ، أن من تطوع بالبدع التي لم يشرعها الله ولا رسوله ، أنه لا يحصل له إلا العناء ، وليس بخير له ، بل قد يكون شراً له إن كان متعمداً عالماً بعدم مشروعية العمل . { فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ } الشاكر والشكور من أسماء الله تعالى ، الذي يقبل من عباده اليسير من العمل ، ويجازيهم عليه العظيم من الأجر ، الذي إذا قام عبده بأوامره وامتثل طاعته ، أعانه على ذلك ، وأثنى عليه ومدحه ، وجازاه في قلبه نوراً وإيماناً وسعة ، وفي بدنه قوةً ونشاطاً ، وفي جميع أحواله زيادة بركة ونماء ، وفي أعماله زيادة توفيق . ثم بعد ذلك يقدم على الثواب الآجل عند ربه كاملاً موفراً ، لم تنقصه هذه الأمور . ومن شكره لعبده ، أن من ترك شيئاً لله أعاضه الله خيراً منه ، ومن تقرَّب منه شبراً تقرَّب منه ذراعاً ، ومن تقرَّب منه ذراعاً تقرَّب منه باعاً ، ومن أتاه يمشي أتاه هرولة ، ومن عامله ، ربح عليه أضعافاً مضاعفة . ومع أنه شاكر فهو عليم بمن يستحق الثواب الكامل ، بحسب نيته وإيمانه وتقواه ، ممن ليس كذلك ، عليم بأعمال العباد فلا يضيعها ، بل يجدونها أوفر ما كانت ، على حسب نياتهم التي اطلع عليها العليم الحكيم .