Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 165-167)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ما أحسن اتصال هذه الآية بما قبلها ، فإنه تعالى لما بين وحدانيته وأدلتها القاطعة ، وبراهينها الساطعة الموصلة إلى علم اليقين ، المزيلة لكل شك ، ذكر هنا أن { مِنَ ٱلنَّاسِ } مع هذا البيان التام من يتخذ من المخلوقين أنداداً لله ، أي : نظراء ومثلاء ، يساويهم في الله بالعبادة والمحبة ، والتعظيم والطاعة . ومن كان بهذه الحالة - بعد إقامة الحجة ، وبيان التوحيد - علم أنه معاند لله مشاق له ، أو معرض عن تدبر آياته ، والتفكر في مخلوقاته ، فليس له أدنى عذر في ذلك ، بل قد حقت عليه كلمة العذاب . وهؤلاء الذين يتخذون الأنداد مع الله ، لا يسوونهم بالله في الخلق والرزق والتدبير ، وإنما يسوونهم به في العبادة ، فيعبدونهم ليقربوهم إليه ، وفي قوله : { يَتَّخِذُ } دليل على أنه ليس لله ند وإنما المشركون جعلوا بعض المخلوقات أنداداً له ، تسمية مجردة ، ولفظاً فارغاً من المعنى ، كما قال تعالى : { وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ ٱلْقَوْلِ } [ الرعد : 33 ] . { إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ } [ النجم : 23 ] فالمخلوق ليس نداً لله لأن الله هو الخالق وغيره مخلوق ، والرب الرازق ومن عداه مرزوق ، والله هو الغني وأنتم الفقراء ، وهو الكامل من كل الوجوه ، والعبيد ناقصون من جميع الوجوه ، والله هو النافع الضار ، والمخلوق ليس له من النفع والضر والأمر شيء ، فعلم علماً يقيناً بطلان قول من اتخذ من دون الله آلهة وأنداداً ، سواء كان ملكاً أو نبياً أو صالحاً أو صنماً أو غير ذلك ، وأن الله هو المستحق للمحبة الكاملة والذل التام ، فلهذا مدح الله المؤمنين بقوله : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ } أي : من أهل الأنداد لأندادهم ، لأنهم أخلصوا محبتهم له ، وهؤلاء أشركوا بها ، ولأنهم أحبوا من يستحق المحبة على الحقيقة ، الذي محبته هي عين صلاح العبد وسعادته وفوزه ، والمشركون أحبوا من لا يستحق من الحب شيئاً ، ومحبته عين شقاء العبد وفساده ، وتشتت أمره . فلهذا توعدهم الله بقوله : { وَلَوْ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ } باتخاذ الأنداد والانقياد لغير رب العباد وظلموا الخلق بصدهم عن سبيل الله ، وسعيهم فيما يضرهم . { إِذْ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ } أي : يوم القيامة عياناً بأبصارهم ، { أَنَّ ٱلْقُوَّةَ للَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعَذَابِ } أي : لعلموا علماً جازماً أن القوة والقدرة لله كلها ، وأن أندادهم ليس فيها من القوة شيء ، فيتبين لهم في ذلك اليوم ضعفها وعجزها ، لا كما اشتبه عليهم في الدنيا وظنوا أن لها من الأمر شيئاً ، وأنها تقربهم إليه وتوصلهم إليه ، فخاب ظنهم وبطل سعيهم ، وحق عليهم شدة العذاب ، ولم تدفع عنهم أندادهم شيئاً ، ولم تغن عنهم مثقال ذرة من النفع ، بل يحصل لهم الضرر منها من حيث ظنوا نفعها . وتبرأ المتبوعون من التابعين ، وتقطعت بينهم الوُصَل التي كانت في الدنيا ، لأنها كانت لغير الله ، وعلى غير أمر الله ، ومتعلقة بالباطل الذي لا حقيقة له ، فاضمحلت أعمالهم ، وتلاشت أحوالهم ، وتبين لهم أنهم كانوا كاذبين ، وأن أعمالهم التي يؤملون نفعها وحصول نتيجتها انقلبت عليهم حسرة وندامة ، وأنهم خالدون في النار لا يخرجون منها أبداً ، فهل بعد هذا الخسران خسران ؟ ذلك بأنهم اتبعوا الباطل ، فعملوا العمل الباطل ورجوا غير مرجو ، وتعلقوا بغير متعلق ، فبطلت الأعمال ببطلان متعلقها ، ولما بطلت وقعت الحسرة بما فاتهم من الأمل فيها ، فضرتهم غاية الضرر ، وهذا بخلاف من تعلق بالله الملك الحق المبين ، وأخلص العمل لوجهه ورجا نفعه ، فهذا قد وضع الحق في موضعه ، فكانت أعماله حقاً لتعلقها بالحق ، ففاز بنتيجة عمله ، ووجد جزاءه عند ربِّه ، غير منقطع ، كما قال تعالى : { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَٰلَهُمْ * وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْبَاطِلَ وَأَنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ } [ محمد : 1 - 3 ] . وحينئذ يتمنى التابعون أن يردوا إلى الدنيا فيتبرأوا من متبوعيهم ، بأن يتركوا الشرك بالله ويقبلوا على إخلاص العمل لله ، وهيهات ، فات الأمر ، وليس الوقت وقت إمهال وإنظار ، ومع هذا فهم كذبة ، فلو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ، وإنما هو قول يقولونه وأماني يتمنونها ، حنقاً وغيظاً على المتبوعين لما تبرؤوا منهم والذنب ذنبهم ، فرأس المتبوعين على الشر إبليس ، ومع هذا يقول لأتباعه لما قُضي الأمر { إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } [ إبراهيم : 22 ] .