Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 177-177)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى : { لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ } أي : ليس هذا هو البر المقصود من العباد ، فيكون كثرة البحث فيه والجدال من العناء الذي ليس تحته إلا الشقاق والخلاف ، وهذا نظير قوله صلى الله عليه وسلم : " ليس الشديد بالصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " ونحو ذلك . { وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ } أي : بأنه إله واحد ، موصوف بكل صفة كمال ، منزه عن كل نقص . { وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } وهو كل ما أخبر الله به في كتابه أو أخبر به الرسول مما يكون بعد الموت . { وَٱلْمَلاۤئِكَةِ } الذين وصفهم الله لنا في كتابه ، ووصفهم رسوله صلى الله عليه وسلم ، { وَٱلْكِتَابِ } أي : جنس الكتب التي أنزلها الله على رسوله ، وأعظمها القرآن ، فيؤمن بما تضمنه من الأخبار والأحكام ، { وَٱلنَّبِيِّينَ } عموماً ، خصوصاً خاتمهم وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم . { وَآتَى ٱلْمَالَ } وهو كل ما يتموله الإنسان من مال ، قليلاً كان أو كثيراً ، أي : أعطى المال { عَلَىٰ حُبِّهِ } أي : حب المال ، بيَّن به أن المال محبوب للنفوس ، فلا يكاد يخرجه العبد . فمن أخرجه مع حبه له تقرباً إلى الله تعالى ، كان هذا برهاناً لإيمانه ، ومن إيتاء المال على حبه أن يتصدق وهو صحيح شحيح ، يأمل الغنى ، ويخشى الفقر ، وكذلك إذا كانت الصدقة عن قلة كانت أفضل ، لأنه في هذه الحال يحب إمساكه ، لما يتوهمه من العدم والفقر . وكذلك إخراج النفيس من المال ، وما يحبه من ماله كما قال تعالى : { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } [ آل عمران : 92 ] فكل هؤلاء ممن آتى المال على حبه . ثم ذكر المنفق عليهم ، وهم أولى الناس ببرَّك وإحسانك . من الأقارب الذين تتوجع لمصابهم ، وتفرح بسرورهم ، الذين يتناصرون ويتعاقلون ، فمن أحسن البر وأوفقه تعاهد الأقارب بالإحسان المالي والقولي ، على حسب قربهم وحاجتهم . ومن اليتامى الذين لا كاسب لهم ، وليس لهم قوة يستغنون بها ، وهذا من رحمته [ تعالى ] بالعباد ، الدالة على أنه تعالى أرحم بعباده من الوالد بولده ، فالله قد أوصى العباد ، وفرض عليهم في أموالهم الإحسان إلى من فُقِدَ آباؤهم ليصيروا كمن لم يفقد والديه ، ولأن الجزاء من جنس العمل ، فمن رحم يتيم غيره رُحِمَ يتيمه . { وَٱلْمَسَاكِينَ } وهم الذين أسكنتهم الحاجة وأذلهم الفقر ، فلهم حق على الأغنياء بما يدفع مسكنتهم أو يخففها ، بما يقدرون عليه وبما يتيسر ، { وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ } وهو الغريب المنقطع به في غير بلده ، فحثَّ الله عباده على إعطائه من المال ما يعينه على سفره ، لكونه مظنة الحاجة ، وكثرة المصارف ، فعلى من أنعم الله عليه بوطنه وراحته وخوله من نعمته ، أن يرحم أخاه الغريب الذي بهذه الصفة على حسب استطاعته ، ولو بتزويده أو إعطائه آلة لسفره ، أو دفع ما ينوبه من المظالم وغيرها . { وَٱلسَّآئِلِينَ } أي : الذين تعرض لهم حاجة من الحوائج توجب السؤال ، كمن ابتلي بأرش جناية ، أو ضريبة عليه من ولاة الأمور ، أو يسأل الناس لتعمير المصالح العامة ، كالمساجد والمدارس والقناطر ، ونحو ذلك ، فهذا له حقٌّ وإن كان غنياً { وَفِي ٱلرِّقَابِ } فيدخل فيه العتق والإعانة عليه ، وبذل مال للمكاتب ليوفي سيده ، وفداء الأسرى عند الكفار أو عند الظلمة . { وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ وَآتَى ٱلزَّكَاةَ } قد تقدم مراراً أن الله تعالى يقرن بين الصلاة والزكاة ، لكونهما أفضل العبادات وأكمل القربات ، عبادات قلبية وبدنية ومالية ، وبهما يوزن الإيمان ، ويعرف ما مع صاحبه من الإيقان . { وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ } والعهد : هو الالتزام بإلزام الله أو إلزام العبد لنفسه . فدخل في ذلك حقوق الله كلها ، لكون الله ألزم بها عباده والتزموها ، ودخلوا تحت عهدتها ، ووجب عليهم أداؤها ، وحقوق العباد التي أوجبها الله عليهم ، والحقوق التي التزمها العبد كالأيمان والنذور ، ونحو ذلك . { وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ } أي : الفقر ، لأن الفقير يحتاج إلى الصبر من وجوه كثيرة ، لكونه يحصل له من الآلام القلبية والبدنية المستمرة ما لا يحصل لغيره . فإن تنعَّم الأغنياء بما لا يقدر عليه تألَّم ، وإن جاع أو جاعت عياله تألم ، وإن أكل طعاماً غير موافق لهواه تألَّم ، وإن عرى أو كاد تألَّم ، وإن نظر إلى ما بين يديه وما يتوهمه من المستقبل الذي يستعد له تألَّم ، وإن أصابه البرد الذي لا يقدر على دفعه تألَّم . فكلُّ هذه ونحوها مصائب ، يؤمر بالصبر عليها والاحتساب ، ورجاء الثواب من الله عليها . { وٱلضَّرَّآءِ } أي : المرض على اختلاف أنواعه ، من حمى وقروح ورياح ووجع عضو ، حتى الضرس والإصبع ونحو ذلك ، فإنه يحتاج إلى الصبر على ذلك لأن النفس تضعف والبدن يألم ، وذلك في غاية المشقة على النفوس ، خصوصاً مع تطاول ذلك ، فإنه يؤمر بالصبر احتساباً لثواب الله [ تعالى ] . { وَحِينَ ٱلْبَأْسِ } أي : وقت القتال للأعداء المأمور بقتالهم ، لأن الجلاد يشق غاية المشقة على النفس ، ويجزع الإنسان من القتل أو الجراح أو الأسر ، فاحتيج إلى الصبر في ذلك احتساباً ، ورجاء لثواب الله [ تعالى ] الذي منه النصر والمعونة التي وعدها الصابرين . { أُولَـٰئِكَ } أي : المتصفون بما ذكر من العقائد الحسنة ، والأعمال التي هي آثار الإيمان ، وبرهانه ونوره ، والأخلاق التي هي جمال الإنسان وحقيقته الإنسانية ، فأولئك هم { ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ } في إيمانهم ، لأن أعمالهم صدقت إيمانهم ، { وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } ، لأنهم تركوا المحظور وفعلوا المأمور لأن هذه الأمور مشتملة على كل خصال الخير ، تضمناً ولزوماً ، لأن الوفاء بالعهد يدخل فيه الدين كله ، ولأن العبادات المنصوص عليها في هذه الآية أكبر العبادات ، ومن قام بها ، كان بما سواها أقوم ، فهؤلاء هم الأبرار الصادقون المتقون . وقد علم ما رتب الله على هذه الأمور الثلاثة من الثواب الدنيوي والأخروي ، مما لا يمكن تفصيله في [ مثل ] هذا الموضع .