Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 218-218)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه الأعمال الثلاثة ، هي عنوان السعادة وقطب رحى العبودية ، وبها يعرف ما مع الإنسان من الربح والخسران ، فأما الإيمان ، فلا تسأل عن فضيلته ، وكيف تسأل عن شيء هو الفاصل بين أهل السعادة وأهل الشقاوة ، وأهل الجنة من أهل النار ؟ وهو الذي إذا كان مع العبد ، قبلت أعمال الخير منه ، وإذا عدم منه لم يقبل له صرف ولا عدل ، ولا فرض ولا نفل . وأما الهجرة : فهي مفارقة المحبوب المألوف لرضا الله تعالى ، فيترك المهاجر وطنه وأمواله وأهله وخلاَّنه ، تقرُّباً إلى الله ، ونصرة لدينه . وأما الجهاد : فهو بذل الجهد في مقارعة الأعداء ، والسعي التام في نصرة دين الله وقمع دين الشيطان ، وهو ذروة الأعمال الصالحة ، وجزاؤه أفضل الجزاء ، وهو السبب الأكبر لتوسيع دائرة الإسلام وخذلان عباد الأصنام ، وأمن المسلمين على أنفسهم وأموالهم وأولادهم . فمن قام بهذه الأعمال الثلاثة على لأوائها ومشقتها كان لغيرها أشد قياماً به وتكميلاً . فحقيق بهؤلاء أن يكونوا هم الراجون رحمة الله ، لأنهم أتوا بالسبب الموجب للرحمة ، وفي هذا دليل على أن الرجاء لا يكون إلا بعد القيام بأسباب السعادة ، وأما الرجاء المقارن للكسل ، وعدم القيام بالأسباب ، فهذا عجز وتمنٍّ وغرور ، وهو دالٌّ على ضعف همة صاحبه ونقص عقله ، بمنزلة من يرجو وجود ولد بلا نكاح ، ووجود الغلة بلا بذر وسقي ، ونحو ذلك . وفي قوله : { للَّهِ أُوْلـٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ ٱللَّهِ } إشارة إلى أن العبد ولو أتى من الأعمال بما أتى به لا ينبغي له أن يعتمد عليها ويعول عليها ، بل يرجو رحمة ربه ، ويرجو قبول أعماله ومغفرة ذنوبه ، وستر عيوبه . ولهذا قال : { وَٱللَّهُ غَفُورٌ } أي : لمن تاب توبة نصوحا { رَّحِيمٌ } وسعت رحمته كل شيء ، وعم جوده وإحسانه كل حي . وفي هذا دليل على أن من قام بهذه الأعمال المذكورة حصل له مغفرة الله ، إذ الحسنات يذهبن السيئات ، وحصلت له رحمة الله . وإذا حصلت له المغفرة ، اندفعت عنه عقوبات الدنيا والآخرة ، التي هي آثار الذنوب ، التي قد غفرت واضمحلت آثارها ، وإذا حصلت له الرحمة حصل على كل خير في الدنيا والآخرة بل أعمالهم المذكورة من رحمة الله بهم ، فلولا توفيقه إياهم لم يريدوها ، ولولا إقدارهم عليها لم يقدروا عليها ، ولولا إحسانه لم يتمها ويقبلها منهم ، فله الفضل أولاً وآخراً ، وهو الذي منّ بالسبب والمسبب .