Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 219-220)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي : يسألك - يا أيها الرسول - المؤمنون عن أحكام الخمر والميسر ، وقد كانا مستعملين في الجاهلية وأول الإسلام ، فكأنه وقع فيهما إشكال ، فلهذا سألوا عن حكمهما ، فأمر الله تعالى نبيه أن يبين لهم منافعهما ومضارهما ، ليكون ذلك مقدمة لتحريمهما وتحتيم تركهما . فأخبر أن إثمهما ومضارهما ، وما يصدر منهما من ذهاب العقل والمال ، والصد عن ذكر الله وعن الصلاة والعداوة والبغضاء - أكبر مما يظنونه من نفعهما ، من كسب المال بالتجارة بالخمر وتحصيله بالقمار ، والطرب للنفوس عند تعاطيهما ، وكان هذا البيان زاجراً للنفوس عنهما ، لأن العاقل يرجح ما ترجحت مصلحته ، ويجتنب ما ترجحت مضرته ، ولكن لما كانوا قد ألفوهما ، وصعب التحتيم بتركهما أول وهلة ، قدم هذه الآية مقدمة للتحريم ، الذي ذكره في قوله : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ } [ المائدة : 90 ] إلى قوله : { مُّنتَهُونَ } [ المائدة : 91 ] وهذا من لطفه ورحمته وحكمته ، ولهذا لما نزلت ، قال عمر رضي الله عنه : انتهينا انتهينا . فأما الخمر : فهو كل مسكر خامر العقل وغطاه ، من أي نوع كان ، وأما الميسر : فهو كل المغالبات التي يكون فيها عوض من الطرفين ، من النرد والشطرنج ، وكل مغالبة قولية أو فعلية بعوض سوى مسابقة الخيل والإبل والسهام ، فإنها مباحة لكونها معينة على الجهاد ، فلهذا رخص فيها الشارع . { وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ كَذٰلِكَ يُبيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } وهذا سؤال عن مقدار ما ينفقونه من أموالهم ، فيسَّر الله لهم الأمر ، وأمرهم أن ينفقوا العفو ، وهو المتيسر من أموالهم ، الذي لا تتعلق به حاجتهم وضرورتهم ، وهذا يرجع إلى كل أحد بحسبه ، من غني وفقير ومتوسط ، كل له قدرة على إنفاق ما عفا من ماله ، ولو شق تمرة . ولهذا أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أخلاق الناس وصدقاتهم ، ولا يكلفهم ما يشق عليهم . ذلك بأن الله تعالى لم يأمرنا بما أمرنا به حاجة منه لنا ، أو تكليفاً لنا [ بما يشق ] ، بل أمرنا بما فيه سعادتنا ، وما يسهل علينا ، وما به النفع لنا ولإخواننا ، فيستحق على ذلك أتم الحمد . ولما بيّن تعالى هذا البيان الشافي ، وأطلع العباد على أسرار شرعه قال : { كَذٰلِكَ يُبيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ } أي : الدالات على الحق ، المحصلات للعلم النافع والفرقان ، { لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } أي : لكي تستعملوا أفكاركم في أسرار شرعه ، وتعرفوا أن أوامره فيها مصالح الدنيا والآخرة ، وأيضاً لكي تتفكروا في الدنيا وسرعة انقضائها ، فترفضوها وفي الآخرة وبقائها ، وأنها دار الجزاء فتعمروها . { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } لما نزل قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَٰمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } [ النساء : 10 ] شقّ ذلك على المسلمين ، وعزلوا طعامهم عن طعام اليتامى ، خوفاً على أنفسهم من تناولها ، ولو في هذه الحالة التي جرت العادة بالمشاركة فيها ، وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فأخبرهم تعالى أن المقصود إصلاح أموال اليتامى بحفظها وصيانتها والاتجار فيها ، وأن خلطتهم إياهم في طعام أو غيره جائز على وجه لا يضر باليتامى ، لأنهم إخوانكم ، ومن شأن الأخ مخالطة أخيه ، والمرجع في ذلك إلى النية والعمل ، فمن علم الله من نيته أنه مصلح لليتيم ، وليس له طمع في ماله ، فلو دخل عليه شيء من غير قصد لم يكن عليه بأس ، ومن علم الله من نيته أن قصده بالمخالطة التوصل إلى أكلها وتناولها ، فذلك الذي حَرِجَ وأَثِم ، و " الوسائل لها أحكام المقاصد " . وفي هذه الآية ، دليل على جواز أنواع المخالطات ، في المآكل والمشارب ، والعقود وغيرها ، وهذه الرخصة لطف من الله [ تعالى ] وإحسان ، وتوسعة على المؤمنين ، وإلا فـ { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ } أي : شق عليكم بعدم الرخصة بذلك فحرجتم ، وشق عليكم وأثمتم ، { إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ } أي : له القوة الكاملة والقهر لكل شيء ، ولكنه مع ذلك { حَكِيمٌ } لا يفعل إلا ما هو مقتضى حكمته الكاملة وعنايته التامة ، فعزته لا تنافي حكمته ، فلا يقال : إنه ما شاء فعل ، وافق الحكمة أو خالفها ، بل يقال : إن أفعاله وكذلك أحكامه تابعة لحكمته ، فلا يخلق شيئاً عبثاً ، بل لا بد له من حكمة عرفناها أم لم نعرفها ، وكذلك لم يشرع لعباده شيئاً مجرداً عن الحكمة ، فلا يأمر إلا بما فيه مصلحة خالصة أو راجحة ، ولا ينهى إلا عما فيه مفسدة خالصة أو راجحة ، لتمام حكمته ورحمته .