Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 228-228)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي : النساء اللاتي طلقهن أزواجهن { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ } أي : ينتظرن ويعتددن مدة { ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ } أي : حيض ، أو أطهار ، على اختلاف العلماء في المراد بذلك ، مع أن الصحيح أن القرء الحيض ، ولهذه العدة عدة حكمٍ ، منها : العلم ببراءة الرحم ، إذا تكررت عليها ثلاثة الأقراء ، علم أنه ليس في رحمها حمل ، فلا يفضي إلى اختلاط الأنساب ، ولهذا أوجب تعالى عليهن الإخبار عن { مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ } وحرم عليهن كتمان ذلك من حمل أو حيض ، لأن كتمان ذلك يفضي إلى مفاسد كثيرة ، فكتمان الحمل موجب أن تلحقه بغير من هو له ، رغبة فيه واستعجالاً لانقضاء العدة ، فإذا ألحقته بغير أبيه ، حصل من قطع الرحم والإرث واحتجاب محارمه وأقاربه عنه ، وربما تزوج ذوات محارمه ، وحصل في مقابلة ذلك إلحاقه بغير أبيه ، وثبوت توابع ذلك من الإرث منه وله ، ومن جعل أقارب الملحق به أقارب له ، وفي ذلك من الشر والفساد ما لا يعلمه إلا رب العباد ، ولو لم يكن في ذلك إلا إقامتها مع من نكاحها باطل في حقه ، وفيه الإصرار على الكبيرة العظيمة وهي الزنا لكفى بذلك شراً . وأما كتمان الحيض ، بأن استعجلت وأخبرت به وهي كاذبة ، ففيه من انقطاع حق الزوج عنها وإباحتها لغيره ، وما يتفرع عن ذلك من الشر كما ذكرنا ، وإن كذبت وأخبرت بعدم وجود الحيض لتطول العدة فتأخذ منه نفقة غير واجبة عليه ، بل هي سحت عليها محرمة من جهتين : من كونها لا تستحقه ، ومن كونها نسبته إلى حكم الشرع وهي كاذبة ، وربما راجعها بعد انقضاء العدة ، فيكون ذلك سفاحاً لكونها أجنبية عنه ، فلهذا قال تعالى : { وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } . فصدور الكتمان منهن دليل على عدم إيمانهن بالله واليوم الآخر ، وإلا فلو آمنّ بالله واليوم الآخر ، وعرفن أنهن مجزيات عن أعمالهن ، لم يصدر منهن شيء من ذلك . وفي ذلك دليل على قبول خبر المرأة عما تخبر به عن نفسها ، من الأمر الذي لا يطلع عليه غيرها ، كالحيض والحمل ونحوه . ثم قال تعالى : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ } أي : لأزواجهن ما دامت متربصة في تلك العدة ، أن يردوهن إلى نكاحهن { إِنْ أَرَادُوۤاْ إِصْلاَحاً } أي : رغبة وألفة ومودة . ومفهوم الآية أنهم إن لم يريدوا الإصلاح فليسوا بأحق بردهن ، فلا يحل لهم أن يراجعوهن لقصد المضارة لها ، وتطويل العدة عليها ، وهل يملك ذلك مع هذا القصد ؟ فيه قولان . الجمهور على أنه يملك ذلك مع التحريم ، والصحيح أنه إذا لم يرد الإصلاح لا يملك ذلك ، كما هو ظاهر الآية الكريمة ، وهذه حكمة أخرى في هذا التربص ، وهي : أنه ربما أن زوجها ندم على فراقه لها ، فجعلت له هذه المدة ، ليتروى بها ويقطع نظره . وهذا يدل على محبته تعالى للألفة بين الزوجين ، وكراهته للفراق ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " وهذا خاص في الطلاق الرجعي ، وأما الطلاق البائن ، فليس البعل بأحق برجعتها ، بل إن تراضيا على التراجع فلا بد من عقد جديد مجتمع الشروط . ثم قال تعالى : { وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } أي : وللنساء على بعولتهن من الحقوق واللوازم مثل الذي عليهن لأزواجهن من الحقوق اللازمة والمستحبة . ومرجع الحقوق بين الزوجين يرجع إلى المعروف ، وهو : العادة الجارية في ذلك البلد ، وذلك الزمان من مثلها لمثله ، ويختلف ذلك باختلاف الأزمنة والأمكنة ، والأحوال ، والأشخاص ، والعوائد . وفي هذا دليل على أن النفقة والكسوة والمعاشرة والمسكن وكذلك الوطء - الكل يرجع إلى المعروف ، فهذا موجب العقد المطلق . وأما مع الشرط ، فعلى شرطهما ، إلا شرطاً أحلَّ حراماً أو حرم حلالاً . { وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } أي : رفعة ورياسة ، وزيادة حق عليها ، كما قال تعالى : { ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ } [ النساء : 34 ] . ومنصب النبوة والقضاء ، والإمامة الصغرى والكبرى ، وسائر الولايات مختصٌ بالرجال ، وله ضعفا ما لها في كثير من الأمور ، كالميراث ونحوه . { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } أي : له العزة القاهرة والسلطان العظيم ، الذي دانت له جميع الأشياء ، ولكنه مع عزته حكيم في تصرفه . ويخرج من عموم هذه الآية الحوامل ، فعدتهن وضع الحمل ، واللاتي لم يدخل بهن فليس لهن عدة ، والإماء فعدتهن حيضتان ، كما هو قول الصحابة رضي الله عنهم ، وسياق الآيات يدل على أن المراد بها الحرة .