Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 23-24)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهذا دليل عقلي على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحة ما جاء به ، فقال : { وَإِن كُنْتُمْ } معشر المعاندين للرسول ، الرادين دعوته ، الزاعمين كذبه في شك واشتباه مما نزلنا على عبدنا ، هل هو حق أو غيره ؟ فهاهنا أمر نَصَفٌ ، فيه الفيصلة بينكم وبينه ، وهو أنه بشر مثلكم ، ليس بأفصحكم ولا بأعلمكم وأنتم تعرفونه منذ نشأ بينكم لا يكتب ولا يقرأ ، فأتاكم بكتاب زعم أنه من عند الله ، وقلتم أنتم أنه تقوَّله وافتراه ، فإن كان الأمر كما تقولون ، فأتوا بسورة من مثله ، واستعينوا بمن تقدرون عليه من أعوانكم وشهدائكم ، فإن هذا أمر يسير عليكم ، خصوصا وأنتم أهل الفصاحة والخطابة والعداوة العظيمة للرسول ، فإن جئتم بسورة من مثله ، فهو كما زعمتم ، وإن لم تأتوا بسورة من مثله وعجزتم غاية العجز ، ولن تأتوا بسورة من مثله ، ولكن هذا التقييم على وجه الإنصاف والتنزل معكم ، فهذا آية كبرى ودليل واضح [ جلي ] على صدقه وصدق ما جاء به ، فيتعين عليكم اتباعه ، واتقاء النار التي بلغت في الحرارة العظيمة [ والشدة ] ، أن كانت وقودها الناس والحجارة ، ليست كنار الدنيا التي إنما تتقد بالحطب ، وهذه النار الموصوفة معدَّة ومهيَّأة للكافرين بالله ورسله . فاحذروا الكفر برسوله ، بعد ما تبين لكم أنه رسول الله . وهذه الآية ونحوها يسمونها آيات التحدي ، وهو تعجيز الخلق أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، قال تعالى { قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنْسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً } [ الإسراء : 88 ] . وكيف يقدر المخلوق من تراب ، أن يكون كلامه ككلام رب الأرباب ؟ أم كيف يقدر الناقص الفقير من كل الوجوه ، أن يأتي بكلام ككلام الكامل الذي له الكمال المطلق ، والغنى الواسع من كل الوجوه ؟ هذا ليس في الإمكان ، ولا في قدرة الإنسان ، وكل من له أدنى ذوق ومعرفة [ بأنواع ] الكلام ، إذا وزن هذا القرآن العظيم بغيره من كلام البلغاء ، ظهر له الفرق العظيم . وفي قوله : { وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ } إلى آخره ، دليل على أن الذي يرجى له الهداية من الضلالة : [ هو ] الشاك الحائر الذي لم يعرف الحق من الضلال ، فهذا إذا بين له الحق فهو حري بالتوفيق ، إن كان صادقاً في طلب الحق . وأما المعاند الذي يعرف الحق ويتركه ، فهذا لا يمكن رجوعه ، لأنه ترك الحق بعد ما تبين له ، لم يتركه عن جهل ، فلا حيلة فيه . وكذلك الشاك غير الصادق في طلب الحق ، بل هو معرض غير مجتهد في طلبه ، فهذا في الغالب أنه لا يوفق . وفي وصف الرسول بالعبودية في هذا المقام العظيم ، دلالة على أن أعظم أوصافه صلى الله عليه وسلم ، قيامه بالعبودية ، التي لا يلحقه فيها أحد من الأولين والآخرين . كما وصفه بالعبودية في مقام الإسراء ، فقال : { سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ } [ الإسراء : 1 ] وفي مقام الإنزال ، فقال : { تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ } [ الفرقان : 1 ] . وفي قوله : { أُعِدَّتْ لِلْكَٰفِرِينَ } ونحوها من الآيات ، دليل لمذهب أهل السنة والجماعة ، أن الجنة والنار مخلوقتان خلافاً للمعتزلة ، وفيها أيضاً ، أن الموحدين وإن ارتكبوا بعض الكبائر لا يخلدون في النار ، لأنه قال : { أُعِدَّتْ لِلْكَٰفِرِينَ } فلو كان [ عصاة الموحدين ] يخلدون فيها لم تكن معدة للكافرين وحدهم ، خلافاً للخوارج والمعتزلة . وفيها دلالة على أن العذاب مستحق بأسبابه ، وهو الكفر وأنواع المعاصي على اختلافها .