Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 25-25)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر جزاء الكافرين ، ذكر جزاء المؤمنين أهل الأعمال الصالحات ، على طريقته تعالى في القرآن يجمع بين الترغيب والترهيب ، ليكون العبد راغباً راهباً ، خائفاً راجياً ، فقال : { وَبَشِّرِ } أي : [ يا أيها الرسول ومن قام مقامه ] ، { ٱلَّذِين آمَنُواْ } بقلوبهم { وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ } بجوارحهم ، فصدقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة . ووصفت أعمال الخير بالصالحات ، لأن بها تصلح أحوال العبد ، وأمور دينه ودنياه ، وحياته الدنيوية والأخروية ، ويزول بها عنه فساد الأحوال ، فيكون بذلك من الصالحين الذين يصلحون لمجاورة الرحمن في جنته . فبشرهم { أَنَّ لَهُمْ جَنَّٰتٍ } أي : بساتين جامعة من الأشجار العجيبة ، والثمار الأنيقة والظل المديد ، [ والأغصان والأفنان وبذلك ] صارت جنة يجتن بها داخلها ، وينعم فيها ساكنها . { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ } أي : أنهار الماء ، واللبن ، والعسل ، والخمر ، يفجرونها كيف شاءوا ، ويصرفونها أين أرادوا ، وتشرب منها تلك الأشجار فتنبت أصناف الثمار . { كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ } أي : هذا من جنسه وعلى وصفه ، كلها متشابهة في الحسن واللذة ، ليس فيها ثمرة خاصة ، وليس لهم وقت خال من اللذة ، فهم دائماً متلذذون بأكلها . وقوله : { وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَٰبِهاً } قيل : متشابهاً في الاسم ، مختلف الطعوم ، وقيل : متشابهاً في اللون ، مختلفاً في الاسم ، وقيل : يشبه بعضه بعضاً في الحسن واللذة والفكاهة ، ولعل هذا هو الصحيح . ثم لما ذكر مسكنهم وأقواتهم من الطعام والشراب وفواكههم ، ذكر أزواجهم ، فوصفهن بأكمل وصف وأوجزه ، وأوضحه فقال : { وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ } فلم يقل " مطهرة من العيب الفلاني " ليشمل جميع أنواع التطهير ، فهن مطهرات الأخلاق ، مطهرات الخلق ، مطهرات اللسان ، مطهرات الأبصار ، فأخلاقهن أنهن عُرُبٌ متحببات إلى أزواجهن بالخلق الحسن ، وحسن التبعل والأدب القولي والفعلي ، ومطهر خلقهن من الحيض والنفاس والمني ، والبول والغائط ، والمخاط والبصاق ، والرائحة الكريهة ، ومطهرات الخلق أيضا بكمال الجمال ، فليس فيهن عيب ، ولا دمامة خلق ، بل هن خيرات حسان ، مطهرات اللسان والطرف ، قاصرات طرفهن على أزواجهن ، وقاصرات ألسنتهن عن كل كلام قبيح . ففي هذه الآية الكريمة ، ذكر المبشِّر والمبشَّر ، والمبشَّرُ به ، والسبب الموصل لهذه البشارة ، فالمبشِّر : هو الرسول صلى الله عليه وسلم ومن قام مقامه من أمته ، والمبشَّر : هم المؤمنون العاملون الصالحات ، والمبشَّر به : هي الجنات الموصوفات بتلك الصفات ، والسبب الموصل لذلك ، هو الإيمان والعمل الصالح ، فلا سبيل إلى الوصول إلى هذه البشارة ، إلا بهما ، وهذا أعظم بشارة حاصلة ، على يد أفضل الخلق ، بأفضل الأسباب . وفيه استحباب بشارة المؤمنين ، وتنشيطهم على الأعمال بذكر جزائها [ وثمراتها ] ، فإنها بذلك تخف وتسهل ، وأعظم بشرى حاصلة للإنسان ، توفيقه للإيمان والعمل الصالح ، فذلك أول البشارة وأصلها ، ومن بعده البشرى عند الموت ، ومن بعده الوصول إلى هذا النعيم المقيم ، نسأل الله أن يجعلنا منهم .