Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 275-281)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى عن أكلة الربا وسوء مآلهم وشدة منقلبهم ، أنهم لا يقومون من قبورهم ليوم نشورهم { إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ } أي : يصرعه الشيطان بالجنون ، فيقومون من قبورهم حيارى سكارى مضطربين ، متوقعين لعظيم النكال وعسر الوبال ، فكما تقلبت عقولهم و { قَالُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَٰواْ } وهذا لا يكون إلا من جاهل عظيم جهله ، أو متجاهل عظيم عناده ، جازاهم الله من جنس أحوالهم فصارت أحوالهم أحوال المجانين ، ويحتمل أن يكون قوله : { لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ } أنه لما انسلبت عقولهم في طلب المكاسب الربوية خفت أحلامهم وضعفت آراؤهم ، وصاروا في هيئتهم وحركاتهم يشبهون المجانين في عدم انتظامها وانسلاب العقل الأدبي عنهم ، قال الله تعالى راداً عليهم ومبيناً حكمته العظيمة { وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ } أي : لما فيه من عموم المصلحة وشدة الحاجة وحصول الضرر بتحريمه ، وهذا أصل في حل جميع أنواع التصرفات الكسبية حتى يرد ما يدل على المنع { وَحَرَّمَ ٱلرِّبَٰواْ } لما فيه من الظلم وسوء العاقبة ، والربا نوعان : ربا نسيئة كبيع الربا بما يشاركه في العلة نسيئة ، ومنه جعل ما في الذمة رأس مال ، سلم ، وربا فضل ، وهو بيع ما يجري فيه الربا بجنسه متفاضلاً وكلاهما محرم بالكتاب والسنة ، والإجماع على ربا النسيئة ، وشذ من أباح ربا الفضل وخالف النصوص المستفيضة ، بل الربا من كبائر الذنوب وموبقاتها { فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ } أي : وعظ وتذكير وترهيب عن تعاطي الربا على يد من قيضه الله لموعظته رحمة من الله بالموعوظ ، وإقامة للحجة عليه { فَٱنْتَهَىٰ } عن فعله وانزجر عن تعاطيه { فَلَهُ مَا سَلَفَ } أي : ما تقدم من المعاملات التي فعلها قبل أن تبلغه الموعظة جزاءً لقبوله للنصيحة ، دلَّ مفهوم الآية أن من لم ينته جوزي بالأول والآخر { وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللَّهِ } في مجازاته وفيما يستقبل من أموره { وَمَنْ عَادَ } إلى تعاطي الربا ولم تنفعه الموعظة ، بل أصر على ذلك { فَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } اختلف العلماء رحمهم الله في نصوص الوعيد التي ظاهرها تخليد أهل الكبائر من الذنوب التي دون الشرك بالله ، والأحسن فيها أن يقال هذه الأمور التي رتب الله عليها الخلود في النار موجبات ومقتضيات لذلك ، ولكن الموجب إن لم يوجد ما يمنعه ترتب عليه مقتضاه ، وقد علم بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة أن التوحيد والإيمان مانع من الخلود في النار ، فلولا ما مع الإنسان من التوحيد لصار عمله صالحاً للخلود فيها بقطع النظر عن كفره . ثم قال تعالى : { يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَٰواْ } أي : يذهبه ويذهب بركته ذاتاً ووصفاً ، فيكون سبباً لوقوع الآفات فيه ونزع البركة عنه ، وإن أنفق منه لم يؤجر عليه بل يكون زاداً له إلى النار { وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَٰتِ } أي : ينميها وينزل البركة في المال الذي أخرجت منه وينمي أجر صاحبها وهذا لأن الجزاء من جنس العمل ، فإن المرابي قد ظلم الناس وأخذ أموالهم على وجه غير شرعي ، فجوزي بذهاب ماله ، والمحسن إليهم بأنواع الإحسان ربه أكرم منه ، فيحسن عليه كما أحسن على عباده { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ } لنعم الله ، لا يؤدي ما أوجب عليه من الصدقات ، ولا يسلم منه ومن شره عباد الله { أَثِيمٍ } أي : قد فعل ما هو سبب لإثمه وعقوبته . لما ذكر أكلة الربا وكان من المعلوم أنهم لو كانوا مؤمنين إيماناً ينفعهم لم يصدر منهم ما صدر ذكر حالة المؤمنين وأجرهم ، وخاطبهم بالإيمان ، ونهاهم عن أكل الربا إن كانوا مؤمنين ، وهؤلاء هم الذين يقبلون موعظة ربهم وينقادون لأمره ، وأمرهم أن يتقوه ، ومن جملة تقواه أن يذروا ما بقي من الربا أي : المعاملات الحاضرة الموجودة ، وأما ما سلف ، فمن اتعظ عفا الله عنه ما سلف ، وأما من لم ينزجر بموعظة الله ولم يقبل نصيحته فإنه مشاق لربه محارب له ، وهو عاجز ضعيف ليس له يدان في محاربة العزيز الحكيم الذي يمهل للظالم ولا يهمله حتى إذا أخذه ، أخذه أخذ عزيز مقتدر { وَإِنْ تُبْتُمْ } عن الربا { فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَٰلِكُمْ } أي : أنزلوا عليها { لاَ تَظْلِمُونَ } من عاملتموه بأخذ الزيادة التي هي الربا { وَلاَ تُظْلَمُونَ } بنقص رؤوس أموالكم . { وَإِن كَانَ } المدين { ذُو عُسْرَةٍ } لا يجد وفاء { فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ } وهذا واجب عليه أن ينظره حتى يجد ما يوفي به { وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } إما بإسقاطها أو بعضها . { وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } وهذه الآية من آخر ما نزل من القرآن ، وجعلت خاتمة لهذه الأحكام والأوامر والنواهي ، لأن فيها الوعد على الخير ، والوعيد على فعل الشر ، وأن من علم أنه راجع إلى الله فمجازيه على الصغير والكبير والجلي والخفي ، وأن الله لا يظلمه مثقال ذرة ، أوجب له الرغبة والرهبة ، وبدون حلول العلم في ذلك في القلب لا سبيل إلى ذلك .