Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 45-48)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أمرهم الله أن يستعينوا في أمورهم كلها بالصبر بجميع أنواعه ، وهو الصبر على طاعة الله حتى يؤديها ، والصبر عن معصية الله حتى يتركها ، والصبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها ، فبالصبر وحبس النفس على ما أمر الله بالصبر عليه معونة عظيمة على كل أمر من الأمور ، ومن يتصبر يصبره الله ، وكذلك الصلاة التي هي ميزان الإيمان ، وتنهى عن الفحشاء والمنكر ، يستعان بها على كل أمر من الأمور { وَإِنَّهَا } أي : الصلاة { لَكَبِيرَةٌ } أي : شاقة { إِلاَّ عَلَى ٱلْخَٰشِعِينَ } فإنها سهلة عليهم خفيفة لأن الخشوع وخشية الله ، ورجاء ما عنده يوجب له فعلها ، منشرحاً صدره لترقبه للثواب ، وخشيته من العقاب ، بخلاف من لم يكن كذلك ، فإنه لا داعي له يدعوه إليها ، وإذا فعلها صارت من أثقل الأشياء عليه . والخشوع هو : خضوع القلب وطمأنينته وسكونه لله تعالى ، وانكساره بين يديه ذلاًّ وافتقاراً ، وإيماناً به وبلقائه . ولهذا قال : { ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ } أي : يستيقنون { أَنَّهُم مُّلَـٰقُواْ رَبِّهِمْ } فيجازيهم بأعمالهم { وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَ } فهذا الذي خفف عليهم العبادات وأوجب لهم التسلي في المصيبات ، ونفّس عنهم الكربات ، وزجرهم عن فعل السيئات ، فهؤلاء لهم النعيم المقيم في الغرفات العاليات ، وأما من لم يؤمن بلقاء ربه ، كانت الصلاة وغيرها من العبادات من أشق شيء عليه . ثم كرَّر على بني إسرائيل التذكير بنعمته ، وعظاً لهم وتحذيراً وحثّاً . وخوّفهم بيوم القيامة الذي { لاَّ تَجْزِي } فيه ، أي : لا تغني { نَفْسٌ } ولو كانت من الأنفس الكريمة كالأنبياء والصالحين { عَن نَّفْسٍ } ولو كانت من العشيرة الأقربين { شَيْئاً } لا كبيراً ولا صغيراً وإنما ينفع الإنسان عمله الذي قدمه ، { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا } أي : النفس ، شفاعة لأحد بدون إذن الله ورضاه عن المشفوع له ، ولا يرضى من العمل إلا ما أريد به وجهه ، وكان على السبيل والسنة ، { وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } أي : فداء { وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ مِن سُوۤءِ ٱلْعَذَابِ } [ الزمر : 47 ] ولا يقبل منهم ذلك { وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ } أي : يدفع عنهم المكروه ، فنفى الانتفاع من الخلق بوجه من الوجوه ، فقوله : { لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ } هذا في تحصيل المنافع ، { وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ } هذا في دفع المضار ، فهذا النفي للأمر المستقل به النافع . { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَٰعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } هذا نفي للنفع الذي يطلب ممن يملكه بعوض كالعدل ، أو بغيره كالشفاعة ، فهذا يوجب للعبد أن ينقطع قلبه من التعلق بالمخلوقين ، لعلمه أنهم لا يملكون له مثقال ذرة من النفع ، وأن يعلقه بالله الذي يجلب المنافع ويدفع المضار ، فيعبده وحده لا شريك له ، ويستعينه على عبادته .