Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 83-83)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهذه الشرائع من أصول الدين التي أمر الله بها في كل شريعة ، لاشتمالها على المصالح العامة في كل زمان ومكان ، فلا يدخلها نسخ ، كأصل الدين ، ولهذا أمرنا بها في قوله : { وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } إلى آخر الآية [ النساء : 36 ] . فقوله : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } هذا من قسوتهم أن كل أمر أمروا به ، استعصوا فلا يقبلونه إلا بالأيمان الغليظة ، والعهود الموثقة { لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ } هذا أمرٌ بعبادة الله وحده ، ونهي عن الشرك به ، وهذا أصل الدين ، فلا تقبل الأعمال كلها إن لم يكن هذا أساسها ، فهذا حق الله تعالى على عباده ، ثم قال : { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } أي : أحسنوا بالوالدين إحساناً ، وهذا يعمُّ كل إحسان قولي وفعلي مما هو إحسان إليهم ، وفيه النهي عن الإساءة إلى الوالدين ، أو عدم الإحسان والإساءة ، لأن الواجب الإحسان ، والأمر بالشيء نهي عن ضده . وللإحسان ضدَّان : الإساءة ، وهي أعظم جرماً ، وترك الإحسان بدون إساءة ، وهذا محرم ، لكن لا يجب أن يلحق بالأول ، وكذا يقال في صلة الأقارب واليتامى والمساكين ، وتفاصيل الإحسان لا تنحصر بالعدِّ ، بل تكون بالحدِّ ، كما تقدم . ثم أمر بالإحسان إلى الناس عموماً فقال : { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً } ومن القول الحسن أمرهم بالمعروف ، ونهيهم عن المنكر ، وتعليمهم العلم ، وبذل السلام ، والبشاشة وغير ذلك من كلِّ كلام طيب . ولما كان الإنسان لا يسع الناس بماله ، أمر بأمر يقدر به على الإحسان إلى كل مخلوق ، وهو الإحسان بالقول ، فيكون في ضمن ذلك النهي عن الكلام القبيح للناس حتى للكفار ، ولهذا قال تعالى : { وَلاَ تُجَادِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [ العنكبوت : 46 ] . ومن أدب الإنسان الذي أدب الله به عباده ، أن يكون الإنسان نزيهاً في أقواله وأفعاله ، غير فاحش ولا بذيء ولا شاتم ، ولا مخاصم ، بل يكون حسن الخلق ، واسع الحلم ، مجاملاً لكل أحد ، صبوراً على ما يناله من أذى الخلق ، امتثالاً لأمر الله ورجاءً لثوابه . ثم أمرهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، لما تقدم أن الصلاة متضمنة للإخلاص للمعبود ، والزكاة متضمنة للإحسان إلى العبيد . { ثُمَّ } بعد هذا الأمر لكم بهذه الأوامر الحسنة التي إذا نظر إليها البصير العاقل ، عرف أن من إحسان الله على عباده أن أمرهم بها ، وتفضل بها عليهم وأخذ المواثيق عليكم { تَوَلَّيْتُمْ } على وجه الإعراض ، لأن المتولي قد يتولى وله نيةُ رجوعٍ إلى ما تولى عنه ، وهؤلاء ليس لهم رغبة ولا رجوع في هذه الأوامر ، فنعوذ بالله من الخذلان . وقوله : { إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ } هذا استثناء لئلا يوهم أنهم تولوا كلهم ، فأخبر أن قليلا منهم ، عصمهم الله وثبَّتهم .