Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 8-10)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

واعلم أن النفاق هو : إظهار الخير وإبطان الشر ، ويدخل في هذا التعريف النفاقُ الاعتقادي والنفاقُ العملي ، فالنفاق العملي كالذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : " آية المنافق ثلات : إذا حدَّث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان " وفي رواية : " وإذا خاصم فَجَر " . وأما النفاقُ الاعتقادي المُخرج عن دائرة الإسلام ، فهو الذي وصف الله به المنافقين في هذه السورة وغيرها ، ولم يكن النفاق موجوداً قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم [ من مكة ] إلى المدينة ، وبعد أن هاجر ، فلما كانت وقعة " بدر " وأظهر الله المؤمنين وأعزَّهم ، ذلَّ من في المدينة ممن لم يسلم ، فأظهر بعضهم الإسلام خوفاً ومخادعة ، ولتحقن دماؤهم ، وتسلَمَ أموالهم ، فكانوا بين أَظهُر المسلمين في الظاهر أنهم منهم ، وفي الحقيقة ليسوا منهم . فمن لُطف الله بالمؤمنين ، أن جلاَّ أحوالهم ووصفهم بأوصاف يتميَّزون بها ، لئلا يغتر بهم المؤمنون ، ولينقمعوا أيضا عن كثير من فجورهم [ قال تعالى ] : { يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنزلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ } [ التوبة : 64 ] فوصفهم الله بأصل النفاق فقال : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ } فإنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، فأكذبهم الله بقوله : { وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ } لأن الإيمان الحقيقي ما تواطأ عليه القلب واللسان ، وإنما هذا مخادعة لله ولعباده المؤمنين . والمخادعة : أن يُظهر المُخادعُ لمن يخادعه شيئا ويُبطن خلافه ، لكي يتمكن من مقصوده ممن يخادع ، فهؤلاء المنافقون سلكوا مع الله وعباده هذا المسلك ، فعاد خداعهم على أنفسهم ، فإن هذا من العجائب لأن المخادع ، إما أن يُنتج خداعُه ويحصِّل ما يريد ، أو يسلَمَ لا لَهُ ولا عليه ، وهؤلاء عاد خداعهم عليهم ، وكأنهم يعملون ما يعملون من المكر لإهلاك أنفسهم وإضرارها وكيدها لأن الله تعالى لا يتضرر بخداعهم [ شيئاً ] وعباده المؤمنون لا يضرهم كيدُهم شيئاً ، فلا يضر المؤمنين أَنْ أَظْهَرَ المنافقون الإيمان ، فسلِمت بذلك أموالُهم وحقنت دماؤهم ، وصار كيدهم في نحورهم ، وحصل لهم بذلك الخزي والفضيحة في الدنيا ، والحزن المستمر بسبب ما يحصل للمؤمنين من القوة والنصرة . ثم في الآخرة لهم العذاب الأليم الموجع المفجع ، بسبب كذبهم وكفرهم وفجورهم ، والحال أنهم من جهلهم وحماقتهم لا يشعرون بذلك . وقوله : { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } والمراد بالمرض هنا : مرض الشكُّ والشبهات والنفاق ، لأن القلب يعرض له مرضان يُخرِجانه عن صحته واعتداله : مرض الشبهات الباطلة ، ومرض الشهوات المُردِية ، فالكفر والنفاق والشكوك والبدع ، كلها من مرض الشُّبهات ، والزنا ومحبة [ الفواحش و ] المعاصي وفعلها من مرض الشهوات ، كما قال تعالى : { فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } [ الأحزاب : 32 ] وهي شهوة الزنا ، والمعافى من عوفي من هذين المَرَضين ، فحصل له اليقين والإيمان ، والصبر عن كل معصية ، فرَفَل في أثواب العافية . وفي قوله عن المنافقين : { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً } بيان لحكمته تعالى في تقدير المعاصي على العاصين ، وأنه بسبب ذنوبهم السابقة ، يبتليهم بالمعاصي اللاحقة الموجبة لعقوباتها كما قال تعالى : { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَٰرَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [ الأنعام : 110 ] وقال تعالى : { فَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } [ الصف : 5 ] وقال تعالى : { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىٰ رِجْسِهِمْ } [ التوبة : 125 ] فعقوبة المعصية المعصيةُ بعدها ، كما أن من ثواب الحسنة الحسنةُ بعدها ، قال تعالى : { وَيَزِيدُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱهْتَدَواْ هُدًى } [ مريم : 76 ] .