Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 1-8)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ طه } من جملة الحروف المقطعة ، المفتتح بها كثير من السور ، وليست اسماً للنبي صلى الله عليه وسلم ، { مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ } أي : ليس المقصود بالوحي ، وإنزال القرآن عليك ، وشرع الشريعة ، لتشقى بذلك ، ويكون في الشريعة تكليف يشق على المكلفين ، وتعجز عنه قوى العاملين . وإنما الوحي والقرآن والشرع ، شرعه الرحيم الرحمن ، وجعله موصلاً للسعادة والفلاح والفوز ، وسهله غاية التسهيل ، ويسر كل طرقه وأبوابه ، وجعله غذاء للقلوب والأرواح ، وراحة للأبدان ، فتلقته الفطر السليمة والعقول المستقيمة بالقبول والإذعان ، لعلمها بما احتوى عليه من الخير في الدنيا والآخرة ، ولهذا قال : { إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ } إلا ليتذكر به من يخشى الله تعالى ، فيتذكر ما فيه من الترغيب إلى أجل المطالب ، فيعمل بذلك ، ومن الترهيب عن الشقاء والخسران ، فيرهب منه ، ويتذكر به الأحكام الحسنة الشرعية المفصلة ، التي كان مستقراً في عقله حسنها مجملاً ، فوافق التفصيل ما يجده في فطرته وعقله ، ولهذا سماه الله { تَذْكِرَةً } والتذكرة لشيء كان موجوداً ، إلا أن صاحبه غافل عنه ، أو غير مستحضر لتفصيله ، وخص بالتذكرة { مَن يَخْشَىٰ } لأن غيره لا ينتفع به ، وكيف ينتفع به من لم يؤمن بجنة ولا نار ، ولا في قلبه من خشية الله مثقال ذرة ؟ هذا ما لا يكون ، { سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ * وَيَتَجَنَّبُهَا ٱلأَشْقَى * ٱلَّذِى يَصْلَى ٱلنَّارَ ٱلْكُبْرَىٰ } [ الأعلى : 10 - 12 ] ثم ذكر جلالة هذا القرآن العظيم ، وأنه تنزيل خالق الأرض والسماوات ، المدبر لجميع المخلوقات ، أي : فاقبلوا تنزيله بغاية الإذعان والمحبة والتسليم ، وعظموه نهاية التعظيم . وكثيراً ما يقرن بين الخلق والأمر ، كما في هذه الآية ، وكما في قوله : { أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ } [ الأعراف : 54 ] وفي قوله : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ ٱلأَمْرُ بَيْنَهُنَّ } [ الطلاق : 12 ] وذلك أنه الخالق الآمر الناهي ، فكما أنه لا خالق سواه فليس على الخلق إلزام ولا أمر ولا نهي إلا من خالقهم ، وأيضاً فإن خلقه للخلق فيه التدبير القدري الكوني وأمره فيه التدبير الشرعي الديني ، فكما أن الخلق لا يخرج عن الحكمة ، فلم يخلق شيئاً عبثاً ، فكذلك لا يأمر ولا ينهى إلا بما هو عدل وحكمة وإحسان فلما بيّن أنه الخالق المدبر ، الآمر الناهي ، أخبر عن عظمته وكبريائه ، فقال : { ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ } الذي هو أرفع المخلوقات وأعظمها وأوسعها ، { ٱسْتَوَىٰ } استواءً يليق بجلاله ، ويناسب عظمته وجماله ، فاستوى على العرش ، واحتوى على الملك ، { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } من مَلَكٍ وإنسي وجني ، وحيوان ، وجماد ، ونبات ، { وَمَا تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ } أي : الأرض ، فالجميع ملك لله تعالى ، عبيد مدبرون ، مسخرون تحت قضائه وتدبيره ، ليس لهم من الملك شيء ، ولا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً . { وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ } الكلام الخفي { وَأَخْفَى } من السر ، الذي في القلب ، ولم ينطق به . أو السر : ما خطر على القلب . { وَأَخْفَى } ما لم يخطر . يعلم تعالى أنه يخطر في وقته ، وعلى صفته ، المعنى : أن علمه تعالى محيط بجميع الأشياء ، دقيقها ، وجليلها ، خفيها ، وظاهرها ، فسواء جهرت بقولك أو أسررته ، فالكل سواء بالنسبة لعلمه تعالى . فلما قرر كماله المطلق ، بعموم خلقه ، وعموم أمره ونهيه ، وعموم رحمته ، وسعة عظمته ، وعلوه على عرشه ، وعموم ملكه ، وعموم علمه ، نتج من ذلك ، أنه المستحق للعبادة ، وأن عبادته هي الحق التي يوجبها الشرع والعقل والفطرة ، وعبادة غيره باطلة ، فقال : { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أي : لا معبود بحق ، ولا مألوه بالحب ، والذل ، والخوف والرجاء ، والمحبة والإنابة والدعاء ، إلا هو . { لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } أي له الأسماء الكثيرة الكاملة الحسنى ، من حسنها أنها كلها أسماء دالة على المدح ، فليس فيها اسم لا يدل على المدح والحمد ، ومن حسنها أنها ليست أعلاماً محضة ، وإنما هي أسماء وأوصاف ، ومن حسنها أنها دالة على الصفات الكاملة ، وأن له من كل صفة أكملها وأعمها وأجلها ، ومن حسنها أنه أمر العباد أن يدعوه بها ، لأنها وسيلة مقربة إليه يحبها ، ويحب من يحبها ، ويحب من يحفظها ، ويحب من يبحث عن معانيها ويتعبد له بها ، قال تعالى : { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا } [ الأعراف : 180 ] .