Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 24-36)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما أوحى الله إلى موسى ، ونبأه ، وأراه الآيات الباهرات ، أرسله إلى فرعون ، ملك مصر ، فقال : { ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } أي : تمرد وزاد على الحد في الكفر والفساد والعلو في الأرض ، والقهر للضعفاء ، حتى إنه ادعى الربوبية والألوهية - قبحه الله - أي : وطغيانه سبب لهلاكه ، ولكن من رحمة الله وحكمته وعدله ، أنه لا يعذب أحداً ، إلا بعد قيام الحجة بالرسل ، فحينئذ علم موسى عليه السلام أنه تحمل حملاً عظيماً ، حيث أرسل إلى هذا الجبار العنيد ، الذي ليس له منازع في مصر من الخلق ، وموسى عليه السلام ، وحده ، وقد جرى منه ما جرى من القتل ، فامتثل أمر ربه ، وتلقاه بالانشراح والقبول ، وسأله المعونة وتيسير الأسباب ، التي [ هي ] من تمام الدعوة ، فقال : { رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي } أي : وسعه وأفسحه ، لأتحمل الأذى القولي والفعلي ، ولا يتكدر قلبي بذلك ، ولا يضيق صدري ، فإن الصدر إذا ضاق ، لم يصلح صاحبه لهداية الخلق ودعوتهم . قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } [ آل عمران : 159 ] وعسى الخلق يقبلون الحق مع اللين وسعة الصدر وانشراحه عليهم . { وَيَسِّرْ لِيۤ أَمْرِي } أي : سهل عليَّ كل أمر أسلكه وكل طريق أقصده في سبيلك ، وهوِّنْ علي ما أمامي من الشدائد ، ومن تيسير الأمر أن ييسر للداعي أن يأتي جميع الأمور من أبوابها ، ويخاطب كل أحد بما يناسب له ، ويدعوه بأقرب الطرق الموصلة إلى قبول قوله . { وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُواْ قَوْلِي } وكان في لسانه ثقل لا يكاد يفهم عنه الكلام ، كما قال المفسرون ، كما قال الله عنه أنه قال : { وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً } [ القصص : 34 ] فسأل الله أن يحل منه عقدة ، يفقهوا ما يقول فيحصل المقصود التام من المخاطبة والمراجعة والبيان عن المعاني . { وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي } أي معيناً يعاونني ، ويؤازرني ، ويساعدني على من أرسلت إليهم ، وسأل أن يكون من أهله ، لأنه من باب البر ، وأحق ببر الإنسان قرابته ، ثم عينه بسؤاله فقال : { هَارُونَ أَخِي * ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِي } أي : قوني به ، وشد به ظهري ، قال الله : { قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً } [ القصص : 35 ] { وَأَشْرِكْهُ فِيۤ أَمْرِي } أي : في النبوة ، بأن تجعله نبياً رسولاً ، كما جعلتني . ثم ذكر الفائدة في ذلك فقال : { كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً } علم عليه الصلاة والسلام ، أن مدار العبادات كلها والدين ، على ذكر الله فسأل الله ، أن يجعل أخاه معه ، يتساعدان ويتعاونان على البر والتقوى ، فيكثر منهما ذكر الله من التسبيح والتهليل ، وغيره من أنواع العبادات . { إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً } تعلم حالنا وضعفنا وعجزنا وافتقارنا إليك في كل الأمور ، وأنت أبصر بنا من أنفسنا وأرحم ، فمنَّ علينا بما سألناك ، وأجب لنا فيما دعوناك . فقال الله : { قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } أي : أعطيت جميع ما طلبت ، فسنشرح صدرك ، ونيسر أمرك ، ونحل عقدة من لسانك ، يفقهوا قولك ، ونشد عضدك بأخيك هارون ، { وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَالِبُونَ } [ القصص : 35 ] . وهذا السؤال من موسى عليه السلام ، يدلّ على كمال معرفته بالله وكمال فطنته ومعرفته للأمور ، وكمال نصحه ، وذلك أن الداعي إلى الله ، المرشد للخلق ، خصوصاً إذا كان المدعو من أهل العناد والتكبر والطغيان ، يحتاج إلى سعة صدر ، وحلم تام ، على ما يصيبه من الأذى ، ولسان فصيح ، يتمكن من التعبير به عن ما يريده ويقصده ، بل الفصاحة والبلاغة لصاحب هذا المقام ، من ألزم ما يكون ، لكثرة المراجعات والمراوضات ، ولحاجته لتحسين الحق ، وتزيينه بما يقدر عليه ، ليحببه إلى النفوس ، وإلى تقبيح الباطل وتهجينه ، لينفر عنه ، ويحتاج مع ذلك أيضاً ، أن يتيسر له أمره ، فيأتي البيوت من أبوابها ، ويدعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، والمجادلة بالتي هي أحسن ، يعامل الناس كلا بحسب حاله ، وتمام ذلك ، أن يكون لمن هذه صفته ، أعوان ووزراء ، يساعدونه على مطلوبه ، لأن الأصوات إذا كثرت ، لا بد أن تؤثر ، فلذلك سأل عليه الصلاة والسلام هذه الأمور فأعطيها . وإذا نظرت إلى حالة الأنبياء المرسلين إلى الخلق ، رأيتهم بهذه الحال ، بحسب أحوالهم خصوصاً ، خاتمهم وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم ، فإنه في الذروة العليا من كل صفة كمال ، وله من شرح الصدر ، وتيسير الأمر ، وفصاحة اللسان ، وحسن التعبير والبيان ، والأعوان على الحق من الصحابة ، فمن بعدهم ، ما ليس لغيره .