Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 1-4)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا تعجب من حالة الناس ، وأنه لا ينجع فيهم تذكير ، ولا يرعون إلى نذير ، وأنهم قد قرب حسابهم ، ومجازاتهم على أعمالهم الصالحة والطالحة ، والحال أنهم في غفلة معرضون ، أي : غفلة عما خلقوا له ، وإعراض عما زجروا به . كأنهم للدنيا خلقوا ، وللتمتع بها ولدوا ، وأن الله تعالى لا يزال يجدد لهم التذكير والوعظ ، ولا يزالون في غفلتهم وإعراضهم ، ولهذا قال : { مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ } يذكرهم ما ينفعهم ويحثهم عليه وما يضرهم ، ويرهبهم منه { إِلا اسْتَمَعُوهُ } سماعاً ، تقوم عليهم به الحجة ، { وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ } أي : قلوبهم غافلة معرضة لاهية بمطالبها الدنيوية ، وأبدانهم لاعبة ، قد اشتغلوا بتناول الشهوات والعمل بالباطل ، والأقوال الردية ، مع أن الذي ينبغي لهم أن يكونوا بغير هذه الصفة ، تقبل قلوبهم على أمر الله ونهيه ، وتستمعه استماعاً ، تفقه المراد منه ، وتسعى جوارحهم في عبادة ربهم ، التي خلقوا لأجلها ، ويجعلون القيامة والحساب والجزاء منهم على بال ، فبذلك يتم لهم أمرهم ، وتستقيم أحوالهم ، وتزكوا أعمالهم ، وفي معنى قوله : { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } قولان : أحدهما أن هذه الأمة هي آخر الأمم ، ورسولها آخر الرسل ، وعلى أمته تقوم الساعة ، فقد قرب الحساب منها بالنسبة لما قبلها من الأمم ، لقوله صلى الله عليه وسلم " بعثت أنا والساعة كهاتين " وقرن بين إصبعيه ، السبابة والتي تليها . والقول الثاني : أن المراد بقرب الحساب الموت ، وأن من مات ، قامت قيامته ، ودخل في دار الجزاء على الأعمال ، وأن هذا تعجب من كل غافل معرض ، لا يدري متى يفجؤه الموت ، صباحاً أو مساءً ، فهذه حالة الناس كلهم ، إلا من أدركته العناية الربانية ، فاستعد للموت وما بعده . ثم ذكر ما يتناجى به الكافرون الظالمون على وجه العناد ، ومقابلة الحق بالباطل ، وأنهم تناجوا ، وتواطؤوا فيما بينهم ، أن يقولوا في الرسول صلى الله عليه وسلم إنه بشر مثلكم ، فما الذي فضله عليكم ، وخصه من بينكم ، فلو ادعى أحد منكم مثل دعواه ، لكان قوله من جنس قوله ، ولكنه يريد أن يتفضل عليكم ، ويرأس فيكم ، فلا تطيعوه ، ولا تصدقوه ، وأنه ساحر ، وما جاء به من القرآن سحر ، فانفروا عنه ، ونفّروا الناس ، وقولوا : { أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } هذا وهم يعلمون أنه رسول الله حقاً بما شاهدوا من الآيات الباهرة ما لم يشاهد غيرهم ، ولكن حملهم على ذلك الشقاء والظلم والعناد ، والله تعالى قد أحاط علماً بما تناجوا به ، وسيجازيهم عليه ، ولهذا قال : { قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ ٱلْقَوْلَ } أي : الخفي والجلي { فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } أي : في جميع ما احتوت عليه أقطارهما { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ } لسائر الأصوات ، باختلاف اللغات ، على تفنن الحاجات { ٱلْعَلِيمُ } بما في الضمائر ، وأكنته السرائر .