Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 21-25)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما بيَّن تعالى كمال اقتداره وعظمته ، وخضوع كل شيء له ، أنكر على المشركين الذين اتخذوا من دون الله آلهة من الأرض ، في غاية العجز وعدم القدرة { هُمْ يُنشِرُونَ } استفهام بمعنى النفي ، أي : لا يقدرون على نشرهم وحشرهم ، يفسرها قوله تعالى : { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلاَ حَيَـاةً وَلاَ نُشُوراً } [ الفرقان : 3 ] { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ * لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ } [ يس : 74 - 75 ] فالمشرك يعبد المخلوق الذي لا ينفع ولا يضر ، ويدع الإخلاص لله ، الذي له الكمال كله وبيده الأمر والنفع والضر ، وهذا من عدم توفيقه ، وسوء حظه ، وتَوفُّر جهله ، وشدة ظلمه ، فإنه لا يصلح الوجود ، إلا على إله واحد ، كما أنه لم يوجد ، إلا برب واحد . ولهذا قال : { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ } أي : في السماوات والأرض { آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } في ذاتهما ، وفسد من فيهما ، من المخلوقات . وبيان ذلك : أن العالم العلوي والسفلي ، على ما يرى ، في أكمل ما يكون من الصلاح والانتظام ، الذي ما فيه خلل ولا عيب ، ولا ممانعة ولا معارضة ، فدل ذلك على أن مدبره واحد ، وربه واحد ، وإلهه واحد ، فلو كان له مدبران وربان أو أكثر من ذلك ، لاختل نظامه ، وتقوضت أركانه ، فإنهما يتمانعان ويتعارضان ، وإذا أراد أحدهما تدبير شيء ، وأراد الآخر عدمه ، فإنه محال وجود مرادهما معاً ، ووجود مراد أحدهما دون الآخر ، يدل على عجز الآخر ، وعدم اقتداره ، واتفاقهما على مراد واحد في جميع الأمور غير ممكن ، فإذاً يتعين أن القاهر الذي يوجد مراده وحده ، من غير ممانع ولا مدافع ، هو الله الواحد القهار ، ولهذا ذكر الله دليل التمانع في قوله : { مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } [ المؤمنون : 91 ] . ومنه - على أحد التأويلين - قوله تعالى : { قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً * سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً } [ الإسراء : 42 - 43 ] ولهذا قال هنا : { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ } أي : تنزه وتقدس عن كل نقص لكماله وحده ، { رَبِّ ٱلْعَرْشِ } الذي هو سقف المخلوقات وأوسعها وأعظمها ، فربوبية ما دونه من باب أولى ، { عَمَّا يَصِفُونَ } أي : الجاحدون الكافرون ، من اتخاذ الولد والصاحبة ، وأن يكون له شريك بوجه من الوجوه . { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ } لعظمته وعزته ، وكمال قدرته ، لا يقدر أحد أن يمانعه أو يعارضه ، لا بقول ، ولا بفعل ، ولكمال حكمته ووضعه الأشياء مواضعها وإتقانها ، أحسن كل شيء يقدره العقل ، فلا يتوجه إليه سؤال ، لأن خلقه ليس فيه خلل ولا إخلال . { وَهُمْ } أي : المخلوقون كلهم { يُسْأَلُونَ } عن أفعالهم وأقوالهم ، لعجزهم وفقرهم ، ولكونهم عبيداً ، قد استحقت أفعالهم وحركاتهم ، فليس لهم من التصرف والتدبير في أنفسهم ، ولا في غيرهم مثقال ذرة . ثم رجع إلى تهجين حال المشركين ، وأنهم اتخذوا من دونه آلهة فقل لهم موبخاً ومقرعاً : { أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ } أي : حجتكم ودليلكم على صحة ما ذهبتم إليه ، ولن يجدوا لذلك سبيلاً ، بل قد قامت الأدلة القطعية على بطلانه ، ولهذا قال : { هَـٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي } أي : قد اتفقت الكتب والشرائع على صحة ما قلت لكم ، من إبطال الشرك ، فهذا كتاب الله الذي فيه ذكر كل شيء ، بأدلته العقلية والنقلية ، وهذه الكتب السابقة كلها ، برهانٌ وأدلة لما قلت . ولما علم أنهم قامت عليهم الحجة والبرهان على بطلان ما ذهبوا إليه علم أنه لا برهان لهم ، لأن البرهان القاطع ، يجزم أنه لا معارض له ، وإلا لم يكن قطعياً ، وإن وجد في معارضات ، فإنها شُبه لا تغني من الحق شيئا . وقوله : { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْحَقَّ } أي : وإنما أقاموا على ما هم عليه ، تقليداً لأسلافهم يجادلون بغير علم ولا هدى ، وليس عدم علمهم بالحق لخفائه وغموضه ، وإنما ذلك لإعراضهم عنه ، وإلا فلو التفتوا إليه أدنى التفات ، لتبين لهم الحق من الباطل تبيناً واضحاً جلياً ، ولهذا قال : { فَهُمْ مُّعْرِضُونَ } . ولما حول تعالى على ذكر المتقدمين ، وأمر بالرجوع إليهم في بيان هذه المسألة ، بيَّنها أتم تبيين في قوله : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِيۤ إِلَيْهِ أَنَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ } فكل الرسل ، الذين من قبلك مع كتبهم ، زبدة رسالتهم وأصلها ، الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له ، وبيان أنه الإله الحق المعبود ، وأن عبادة ما سواه باطلة .