Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 48-50)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
كثيراً ما يجمع تعالى بين هذين الكتابين الجليلين ، اللذين لم يطرق العالم أفضل منهما ، ولا أعظم ذكراً ، ولا أبرك ، ولا أعظم هدى وبياناً [ وهما التوراة والقرآن ] ، فأخبر أنه آتى موسى أصلاً ، وهارون تبعاً { ٱلْفُرْقَانَ } وهي التوراة الفارقة بين الحق والباطل ، والهدى والضلال ، وأنها { وَضِيَآءً } أي : نور يهتدي به المهتدون ، ويأتم به السالكون ، وتعرف به الأحكام ، ويميز به بين الحلال والحرام ، وينير في ظلمة الجهل والبدع والغواية ، { وَذِكْراً لَّلْمُتَّقِينَ } يتذكرون به ما ينفعهم وما يضرهم ، ويتذكر به الخير والشر ، وخص { لَّلْمُتَّقِينَ } بالذكر ، لأنهم المنتفعون بذلك ، علماً وعملاً . ثم فسر المتقين فقال : { ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ } أي : يخشونه في حال غيبتهم ، وعدم مشاهدة الناس لهم ، فمع المشاهدة أولى ، فيتورعون عما حرم ، ويقومون بما ألزم ، { وَهُمْ مِّنَ ٱلسَّاعَةِ مُشْفِقُونَ } أي : خائفون وجلون ، لكمال معرفتهم بربهم ، فجمعوا بين الإحسان والخوف ، والعطف هنا من باب عطف الصفات المتغايرات ، الواردة على شيء واحد وموصوف واحد . { وَهَـٰذَا } أي : القرآن { ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ } فوصفه بوصفين جليلين ، كونه ذكراً يتذكر به جميع المطالب ، من معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله ، ومن صفات الرسل والأولياء وأحوالهم ، ومن أحكام الشرع من العبادات والمعاملات وغيرها ، ومن أحكام الجزاء والجنة والنار ، فيتذكر به المسائل والدلائل العقلية والنقلية ، وسماه ذكراً ، لأنه يذكر ما ركزه الله في العقول والفطر ، من التصديق بالأخبار الصادقة ، والأمر بالحسن عقلاً ، والنهي عن القبيح عقلاً ، وكونه { مُّبَارَكٌ } يقتضي كثرة خيراته ونمائها وزيادتها ، ولا شيء أعظم بركة من هذا القرآن ، فإن كل خير ونعمة ، وزيادة دينية أو دنيوية أو أخروية ، فإنها بسببه ، وأثر عن العمل به ، فإذا كان ذكراً مباركاً ، وجب تلقيه بالقبول والانقياد ، والتسليم ، وشكر الله على هذه المنحة الجليلة ، والقيام بها ، واستخراج بركته ، بتعلم ألفاظه ومعانيه ، وأما مقابلته بضد هذه الحالة ، من الإعراض عنه ، والإضراب عنه صفحاً ، وإنكاره ، وعدم الإيمان به ، فهذا من أعظم الكفر وأشد الجهل والظلم ، ولهذا أنكر تعالى على من أنكره ، فقال : { أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } .