Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 78-82)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي : واذكر هذين النبيين الكريمين " دَاوُودَ " و " سُلَيْمَانَ " مثنياً مبجلاً ، إذ آتاهما الله العلم الواسع ، والحكم بين العباد ، بدليل قوله : { إِذْ يَحْكُمَانِ فِي ٱلْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ } أي : إذ تحاكم إليهما صاحب حرث ، نفشت فيه غنم القوم الآخرين ، أي : رعت ليلاً ، فأكلت ما في أشجاره ، ورَعت زرعه ، فقضى فيه داود عليه السلام ، بأن الغنم تكون لصاحب الحرث ، نظراً إلى تفريط أصحابها ، فعاقبهم بهذه العقوبة ، وحكم فيها سليمان بحكم موافق للصواب ، بأن أصحاب الغنم يدفعون غنمهم إلى صاحب الحرث فينتفع بدَرِّها وصوفها ، ويقومون على بستان صاحب الحرث حتى يعود إلى حاله الأولى ، فإذا عاد إلى حاله ، ترادّاً ورجع كل منهما بما له ، وكان هذا من كمال فهمه وفطنته عليه السلام ، ولهذا قال : { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ } أي : فهمناه هذه القضية ، ولا يدل ذلك أن داود لم يفهمه الله في غيرها ، ولهذا خصها بالذكر بدليل قوله : { وَكُلاًّ } من داود وسليمان { آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً } وهذا دليل على أن الحاكم قد يصيب الحق والصواب ، وقد يخطئ ذلك ، وليس بمعلوم إذا أخطأ مع بذل اجتهاده . ثم ذكر ما خص به كلاً منهما فقال : { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَٱلطَّيْرَ } وذلك أنه كان من أعبد الناس وأكثرهم لله ذكراً وتسبيحاً وتمجيداً ، وكان قد أعطاه [ الله ] من حسن الصوت ورقته ورخامته ، ما لم يؤته أحداً من الخلق ، فكان إذا سبح وأثنى على الله ، جاوبته الجبال الصم والطيور البُهْم ، وهذا فضل الله عليه وإحسانه ، فلهذا قال : { وَكُنَّا فَاعِلِينَ } . { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ } أي : علم الله داود عليه السلام ، صنعة الدروع ، فهو أول من صنعها وعلمها ، وسرت صناعته إلى من بعده ، فألان الله له الحديد ، وعلمه كيف يسردها ، والفائدة فيها كبيرة ، { لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ } أي : هي وقاية لكم ، وحفظ عند الحرب واشتداد البأس . { فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ } نعمة الله عليكم ، حيث أجراها على يد عبده داود ، كما قال تعالى : { وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } [ النحل : 81 ] . يحتمل أن تعليم الله لداود صنعة الدروع وإلانتها أمر خارق للعادة ، وأن يكون - كما قاله المفسرون - : إن الله ألانَ له الحديد ، حتى كان يعمله كالعجين والطين ، من دون إذابة له على النار ، ويحتمل أن تعليم الله له ، على جاري العادة ، وأن إلانة الحديد له ، بما علمه الله من الأسباب المعروفة الآن لإذابتها ، وهذا هو الظاهر ، لأن الله امْتَنَّ بذلك على العباد وأمرهم بشكرها ، ولولا أن صنعته من الأمور التي جعلها الله مقدورة للعباد ، لم يمتن عليهم بذلك ، ويذكر فائدتها ، لأن الدروع التي صنع داود عليه السلام ، متعذر أن يكون المراد أعيانها ، وإنما المِنَّةُ بالجنس ، والاحتمال الذي ذكره المفسرون ، لا دليل عليه إلا قوله : { وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } [ سبأ : 10 ] وليس فيه أن الإلانة من دون سبب ، والله أعلم بذلك . { وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ } أي : سخرناها { عَاصِفَةً } أي : سريعة في مرورها ، { تَجْرِي بِأَمْرِهِ } حيث دُبرت امتثلت أمره ، غدوها شهر ورواحها شهر { إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } وهي أرض الشام ، حيث كان مقره ، فيذهب على الريح شرقاً وغرباً ، ويكون مأواها ورجوعها إلى الأرض المباركة ، { وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ } قد أحاط علمنا بجميع الأشياء ، وعلمنا من داود وسليمان ما أوصلناهما به إلى ما ذكرنا . { وَمِنَ ٱلشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذٰلِكَ } وهذا أيضاً من خصائص سليمان عليه السلام ، أن الله سخر له الشياطين والعفاريت ، وسلطه على تسخيرهم في الأعمال ، التي لا يقدر على كثير منها غيرهم ، فكان منهم من يغوص له في البحر ، ويستخرج الدر ، واللؤلؤ ، وغير ذلك ، ومنهم من يعمل له { مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَٱلْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ } [ سبأ : 13 ] وسخر طائفة منهم لبناء بيت المقدس ومات ، وهم على عمله ، وبقوا بعده سنة ، حتى علموا موته ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى . { وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ } أي : لا يقدرون على الامتناع منه وعصيانه ، بل حفظهم الله له ، بقوته وعزته ، وسلطانه .