Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 91-94)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي : واذكر مريم عليها السلام مثنياً عليها مبيناً لقدرها ، شاهراً لشرفها فقال : { وَٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا } أي : حفظته من الحرام وقربانه ، بل ومن الحلال ، فلم تتزوج لاشتغالها بالعبادة ، واستغراق وقتها بالخدمة لربها . وحين جاءها جبريل في صورة بشر سَويَّ تامِّ الخلق والحسن { قَالَتْ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً } [ مريم : 18 ] فجازاها الله من جنس عملها ، ورزقها ولداً من غير أب ، بل نفخ فيها جبريل عليه السلام ، فحملت بإذن الله . { وَجَعَلْنَاهَا وَٱبْنَهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ } حيث حملت به ، ووضعته من دون مسيس أحد ، وحيث تكلم في المهد ، وبرَّأها مما ظن بها المتهمون ، وأخبر عن نفسه في تلك الحالة ، وأجرى الله على يديه من الخوارق والمعجزات ما هو معلوم ، فكانت وابنها آية للعالمين ، يتحدث بها جيلاً بعد جيل ، ويعتبر بها المعتبرون . ولما ذكر الأنبياء عليهم السلام ، قال مخاطباً للناس : و { إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } أي : هؤلاء الرسل المذكورون ، هم أمتكم وأئمتكم الذين بهم تأتمون ، وبهديهم تقتدون ، كلهم على دين واحد ، وصراط واحد ، والرب أيضاً واحد . ولهذا قال : { وَأَنَاْ رَبُّكُمْ } الذي خلقتكم ، وربيتكم بنعمتي ، في الدين والدنيا ، فإذا كان الرب واحداً ، والنبي واحداً ، والدين واحداً ، وهو عبادة الله ، وحده لا شريك له ، بجميع أنواع العبادة كان وظيفتكم والواجب عليكم القيام بها ، ولهذا قال : { فَٱعْبُدُونِ } فرتب العبادة على ما سبق بالفاء ترتيب المسبب على سببه . وكان اللائق ، الاجتماع على هذا الأمر وعدم التفرق فيه ، ولكن البغي والاعتداء ، أبيا إلا الافتراق والتقطع . ولهذا قال : { وَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ } أي : تفرق الأحزاب المنتسبون لاتباع الأنبياء فرقاً ، وتشتتوا ، كُلُّ يدَّعي أن الحق معه ، والباطل مع الفريق الآخر و { كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } [ المؤمنون : 53 ] . وقد علم أن المصيب منهم ، من كان سالكاً للدين القويم والصراط المستقيم ، مؤتماً بالأنبياء ، وسيظهر هذا إذا انكشف الغطاء ، وبرح الخفاء ، وحشر الله الناس لفصل القضاء ، فحينئذ يتبين الصادق من الكاذب ، ولهذا قال : { كُلٌّ } من الفرق المتفرقة وغيرهم { إِلَيْنَا رَاجِعُونَ } أي : فنجازيهم أتم الجزاء . ثم فصل جزاءه فيهم ، منطوقاً ومفهوماً ، فقال : { فَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ } أي : الأعمال التي شرعتها الرسل ، وحثت عليها الكتب { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } بالله وبرسله ، وما جاؤوا به { فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ } أي : لا نضيع سعيه ولا نبطله ، بل نضاعفه له أضعافاً كثيرة . { وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ } أي : مثبتون له في اللوح المحفوظ ، وفي الصحف التي مع الحفظة . أي : ومن لم يعمل من الصالحات ، أو عملها وهو ليس بمؤمن ، فإنه محروم خاسر في دينه ، ودنياه .