Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 57-62)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما ذكر تعالى الذين جمعوا بين الإساءة والأمن ، الذين يزعمون أن عطاء الله إياهم في الدنيا دليل على خيرهم وفضلهم ، ذكر الذين جمعوا بين الإحسان والخوف ، فقال : { ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ } أي : وجلون ، مشفقة قلوبهم كل ذلك من خشية ربهم ، خوفاً أن يضع عليهم عدله ، فلا يبقى لهم حسنة ، وسوء ظن بأنفسهم ، أن لا يكونوا قد قاموا بحق الله تعالى ، وخوفاً على إيمانهم من الزوال ، ومعرفة منهم بربهم ، وما يستحقه من الإجلال والإكرام ، وخوفهم وإشفاقهم يوجب لهم الكف عما يوجب الأمر المخوف من الذنوب ، والتقصير في الواجبات . { وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ } أي : إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً ، ويتفكرون أيضاً في الآيات القرآنية ويتدبرونها ، فيبين لهم من معاني القرآن وجلالته واتفاقه ، وعدم اختلافه وتناقضه ، وما يدعو إليه من معرفة الله وخوفه ورجائه ، وأحوال الجزاء ، فيحدث لهم بذلك من تفاصيل الإيمان ، ما لا يعبر عنه اللسان . ويتفكرون أيضاً في الآيات الأفقية ، كما في قوله : { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } إلى آخر الآيات [ آل عمران : 190 ] . { وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ } أي : لا شركاً جلياً ، كاتخاذ غير الله معبوداً ، يدعوه ويرجوه ولا شركاً خفياً ، كالرياء ونحوه ، بل هم مخلصون لله ، في أقوالهم وأعمالهم وسائر أحوالهم . { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ } أي : يعطون من أنفسهم مما أمروا به ، ما آتوا من كل ما يقدرون عليه ، من صلاة ، وزكاة ، وحج ، وصدقة ، وغير ذلك ، { وَ } مع هذا { قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } أي : خائفة { أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } أي : خائفة عند عرض أعمالها عليه ، والوقوف بين يديه ، أن تكون أعمالهم غير منجية من عذاب الله ، لعلمهم بربهم ، وما يستحقه من أصناف العبادات . { أُوْلَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ } أي : في ميدان التسارع في أفعال الخير ، همهم ما يقربهم إلى الله ، وإرادتهم مصروفة فيما ينجي من عذابه ، فكل خير سمعوا به ، أو سنحت لهم الفرصة إليه ، انتهزوه وبادروه ، قد نظروا إلى أولياء الله وأصفيائه ، أمامهم ، ويمنة ، ويسرة ، يسارعون في كل خير ، وينافسون في الزلفى عند ربهم ، فنافسوهم . ولما كان السابق لغيره المسارع قد يسبق لجده وتشميره ، وقد لا يسبق لتقصيره ، أخبر تعالى أن هؤلاء من القسم السابقين فقال : { وَهُمْ لَهَا } أي : للخيرات { سَابِقُونَ } قد بلغوا ذروتها ، وتباروا هم والرعيل الأول ، ومع هذا ، قد سبقت لهم من الله سابقة السعادة ، أنهم سابقون . ولما ذكر مسارعتهم إلى الخيرات وسبقهم إليها ، ربما وهم واهم أن المطلوب منهم ومن غيرهم أمر غير مقدور أو متعسر ، أخبر تعالى أنه لا يكلف { نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } أي : بقدر ما تسعه ، ويفضل من قوتها عنه ، ليس مما يستوعب قوتها ، رحمة منه وحكمة ، لتيسير طريق الوصول إليه ، ولتعمر جادة السالكين في كل وقت إليه . { وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِٱلْحَقِّ } وهو الكتاب الأول ، الذي فيه كل شيء ، وهو يطابق كل واقع يكون ، فلذلك كان حقاً ، { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } لا ينقص من إحسانهم ، ولا يزداد في عقوبتهم وعصيانهم .