Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 63-71)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ * حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِٱلْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ * لاَ تَجْأَرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ * قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ * مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ } يخبر تعالى أن قلوب المكذبين في غمرة من هذا ، أي : وسط غمرة من الجهل والظلم ، والغفلة والإعراض ، تمنعهم من الوصول إلى هذا القرآن ، فلا يهتدون به ، ولا يصل إلى قلوبهم منه شيء . { وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً * وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِيۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْراً } [ الإسراء : 45 - 46 ] فلما كانت قلوبهم في غمرة منه ، عملوا بحسب هذا الحال ، من الأعمال الكفرية ، والمعاندة للشرع ، ما هو موجب لعقابهم ، { وَ } لكن { لَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ } هذه الأعمال { هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } أي : فلا يستغربوا عدم وقوع العذاب فيهم ، فإن الله يمهلهم ليعملوا هذه الأعمال ، التي بقيت عليهم مما كتب عليهم ، فإذا عملوها واستوفوها انتقلوا بشر حالة إلى غضب الله وعقابه . { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ } أي : متنعميهم ، الذين ما اعتادوا إلا الترف والرفاهية والنعيم ، ولم تحصل لهم المكاره ، فإذا أخذناهم { بِٱلْعَذَابِ } ووجدوا مَسَّه { إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } يصرخون ويتوجعون ، لأنه أصابهم أمر خالف ما هم عليه ، ويستغيثون ، فيقال لهم : { لاَ تَجْأَرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ } وإذا لم تأتهم النصرة من الله ، وانقطع عنهم الغوث من جانبه ، لم يستطيعوا نصر أنفسهم ، ولم ينصرهم أحد . فكأنه قيل : ما السبب الذي أوصلهم إلى هذا الحال ؟ قال : { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } لتؤمنوا بها وتقبلوا عليها ، فلم تفعلوا ذلك ، بل { كُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ } أي : راجعين القهقرى إلى الخلف ، وذلك لأن باتباعهم القرآن يتقدمون ، وبالإعراض عنه يستأخرون وينزلون إلى أسفل سافلين . { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ } قال المفسرون معناه : مستكبرين به ، الضمير يعود إلى البيت ، المعهود عند المخاطبين ، أو الحرم ، أي : متكبرين على الناس بسببه ، تقولون : نحن أهل الحرم ، فنحن أفضل من غيرنا وأعلى ، { سَامِراً } أي : جماعة يتحدثون بالليل حول البيت { تَهْجُرُونَ } [ أي تقولون الكلام الهجر الذي هو القبيح في ] هذا القرآن . فالمكذبون كانت طريقتهم في القرآن ، الإعراض عنه ، ويوصي بعضهم بعضاً بذلك { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } [ فصلت : 26 ] وقال الله عنهم : { أَفَمِنْ هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ * وَأَنتُمْ سَامِدُونَ } [ النجم : 59 - 61 ] { أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ } [ الطور : 33 ] . فلما كانوا جامعين لهذه الرذائل ، لا جرم حقت عليهم العقوبة ، ولما وقعوا فيها ، لم يكن لهم ناصر ينصرهم ، ولا مغيث ينقذهم ، ويوبخون عند ذلك بهذه الأعمال الساقطة { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ ٱلْقَوْلَ } أي : أفلا يتفكرون في القرآن ويتأملونه ويتدبرونه ، أي : فإنهم لو تدبروه ، لأوجب لهم الإيمان ، ولمنعهم من الكفر ، ولكن المصيبة التي أصابتهم بسبب إعراضهم عنه ، ودلّ هذا على أن تدبر القرآن ، يدعو إلى كل خير ، ويعصم من كل شر ، والذي منعهم من تدبره أن على قلوبهم أقفالها . { أَمْ جَآءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ ٱلأَوَّلِينَ } أي : أو منعهم من الإيمان ، أنه جاءهم رسول وكتاب ، ما جاء آباءهم الأولين ، فرضوا بسلوك طريق آبائهم الضالين ، وعارضوا كل ما خالف ذلك ، ولهذا قالوا ، هم ومن أشبههم من الكفار ، ما أخبر الله عنهم : { وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } [ الزخرف : 23 ] فأجابهم بقوله : { قَٰلَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ } [ الزخرف : 24 ] فهل تتبعون إن كان قصدكم الحق ، فأجابوا بحقيقة أمرهم { قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } [ الزخرف : 24 ] . وقوله { أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } أي : أو منعهم من اتباع الحق ، أن رسولهم محمداً صلى الله عليه وسلم غير معروف عندهم ، فهم منكرون له ؟ يقولون : لا نعرفه ، ولا نعرف صدقه ، دعونا حتى ننظر حاله ونسأل عنه مَنْ له به خبرة ، أي : لم يكن الأمر كذلك ، فإنهم يعرفون الرسول صلى الله عليه وسلم معرفة تامة ، صغيرهم وكبيرهم يعرفون منه كل خلق جميل ، ويعرفون صدقه وأمانته ، حتى كانوا يسمونه قبل البعثة " الأمين " فلم لا يصدقونه ، حين جاءهم بالحق العظيم ، والصدق المبين ؟ . { أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ } أي : جنون ، فلهذا قال ما قال ، والمجنون غير مسموع منه ، ولا عبرة بكلامه ، لأنه يهذي بالباطل والكلام السخيف . قال الله في الرد عليهم في هذه المقالة { بَلْ جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ } أي : بالأمر الثابت ، الذي هو صدق وعدل ، لا اختلاف فيه ولا تناقض ، فكيف يكون من جاء به ، به جنة ؟ ، وهلا يكون إلا في أعلى درج الكمال ، من العلم والعقل ومكارم الأخلاق ، وأيضاً فإن في هذا الانتقال مما تقدم ، أي : بل الحقيقة التي منعتهم من الإيمان أنه جاءهم بالحق { وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } وأعظم الحق الذي جاءهم به إخلاص العبادة لله وحده ، وترك ما يعبد من دون الله ، وقد علم كراهتهم لهذا الأمر وتعجبهم منه ، فكون الرسول أتى بالحق ، وكونهم كارهين للحق بالأصل ، هو الذي أوجب لهم التكذيب بالحق لا شكاً ولا تكذيباً للرسول ، كما قال تعالى : { فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } [ الأنعام : 33 ] فإن قيل : لِمَ لَمْ يكن الحق موافقاً لأهوائهم لأجل أن يؤمنوا و يسرعوا الانقياد ؟ أجاب تعالى بقوله { وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ } ووجه ذلك أنّ أهواءهم متعلقة بالظلم والكفر والفساد من الأخلاق والأعمال ، فلو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ، لفساد التصرف والتدبير المبني على الظلم وعدم العدل ، فالسماوات والأرض ما استقامتا إلا بالحق والعدل { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ } أي : بهذا القرآن المذكر لهم بكل خير ، الذي به فخرهم وشرفهم ، حين يقومون به ، ويكونون به سادة الناس . { فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ } شقاوة منهم ، وعدم توفيق { نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } [ التوبة : 67 ] { نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ } [ الحشر : 19 ] فالقرآن ومن جاء به ، أعظم نعمة ساقها الله إليهم ، فلم يقابلوها إلا بالرد والإعراض ، فهل بعد هذا الحرمان حرمان ؟ وهل يكون وراءه إلا نهاية الخسران ؟ .