Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 7-14)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا من مقالة المكذبين للرسول ، الذين قدحوا بها في رسالته ، وهو أنهم اعترضوا بأنه : هلا كان مَلَكاً أو مَلِكاً ، أو يساعده مَلَكٌ ، فقالوا : { مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ } أي : ما لهذا الذي ادعى الرسالة ؟ تهكماً منهم واستهزاء . { يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ } وهذا من خصائص البشر ، فهلا كان مَلَكاً لا يأكل الطعام ، ولا يحتاج إلى ما يحتاج إليه البشر ، { وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ } للبيع والشراء ، وهذا - بزعمهم - لا يليق بمن يكون رسولاً مع أن الله قال : { وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي ٱلأَسْوَاقِ } [ الفرقان : 20 ] . { لَوْلاۤ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ } أي : هلا أنزل معه ملك يساعده ويعاونه ، { فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً } وبزعمهم أنه غير كاف للرسالة ولا بطوقه وقدرته القيام بها . { أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ } أي : مال مجموع من غير تعب ، { أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا } فيستغني بذلك عن مشيه في الأسواق لطلب الرزق . { وَقَالَ ٱلظَّالِمُونَ } حملهم على القول ، ظلمهم لا اشتباه منهم ، { إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً } هذا ، وقد علموا كمال عقله وحسن حديثه ، وسلامته من جميع المطاعن . ولما كانت هذه الأقوال منهم ، عجيبة جداً ، قال تعالى : { ٱنظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ } وهي : أنه هلاً كان مَلَكاً ، وزالت عنه خصائص البشر ؟ أو معه ملك ، لأنه غير قادر على ما قال ، أو أنزل عليه كنز ، أو جعلت له جنة تغنيه عن المشي في الأسواق ، أو أنه كان مسحوراً . { فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً } قالوا أقوالاً متناقضة ، كلها جهل وضلال وسفه ، ليس في شيء منها هداية ، بل ولا في شيء منها أدنى شبهة تقدح في الرسالة ، فبمجرد النظر إليها وتصورها ، يجزم العاقل ببطلانها ، ويكفيه عن ردها ، ولهذا أمر تعالى بالنظر إليها وتدبرها والنظر : هل توجب التوقف عن الجزم للرسول بالرسالة والصدق ؟ ولهذا أخبر أنه قادر على أن يعطيك خيراً كثيراً في الدنيا فقال : { تَبَارَكَ ٱلَّذِيۤ إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذٰلِكَ } أي : خيراً مما قالوا ، ثم فسره بقوله : { جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً } مرتفعة مزخرفة ، فقدرته ومشيئته ، لا تقصر عن ذلك ، ولكنه تعالى - لما كانت الدنيا عنده في غاية البعد والحقارة - أعطى منها أولياءه ورسله ، ما اقتضته حكمته منها ، واقتراح أعدائهم بأنهم ، هلا رزقوا منها رزقاً كثيراً جداً ، ظلم وجراءة . ولما كانت تلك الأقوال التي قالوها معلومة الفساد ، أخبر تعالى أنها لم تصدر منهم لطلب الحق ، ولا لاتباع البرهان ، وإنما صدرت منهم تعنتاً وظلماً ، وتكذيباً بالحق ، فقالوا ما بقلوبهم من ذلك ، ولهذا قال : { بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِ } والمكذب المتعنت ، الذي ليس له قصد في اتباع الحق ، لا سبيل إلى هدايته ولا حيلة في مجادلته ، وإنما له حيلة واحدة وهي نزول العذاب به ، فلهذا قال : { وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيراً } أي : ناراً عظيمة ، قد اشتد سعيرها ، وتغيظت على أهلها ، واشتد زفيرها . { إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } أي : قبل وصولهم ووصولها إليهم ، { سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً } عليهم { وَزَفِيراً } تقلق منهم الأفئدة ، وتتصدع القلوب ، ويكاد الواحد منهم يموت خوفاً منها وذعراً ، قد غضبت عليهم لغضب خالقها ، وقد زاد لهبها لزيادة كفرهم وشرهم . { وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ } أي : عذابهم وهم في وسطها ، جمع في مكان بين ضيق المكان ، وتزاحم السكان ، وتقرينهم بالسلاسل والأغلال ، فإذا وصلوا لذلك المكان النحس ، وحبسوا في أشر حبس { دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً } دعوا على أنفسهم بالثبور والخزي والفضيحة ، وعلموا أنهم ظالمون معتدون ، قد عدل فيهم الخالق ، حيث أنزلهم بأعمالهم هذا المنزل ، وليس ذلك الدعاء والاستغاثة بنافعة لهم ، ولا مغنية من عذاب الله ، بل يقال لهم : { لاَّ تَدْعُواْ ٱلْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَٱدْعُواْ ثُبُوراً كَثِيراً } أي : لو زاد ما قلتم أضعاف أضعافه ، ما أفادكم إلا الهم والغم والحزن . لما بين جزاء الظالمين ، ناسب أن يذكر جزاء المتقين فقال : { قُلْ أَذٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ ٱلْخُلْدِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ كَانَتْ … } .