Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 123-140)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ كَذَّبَتْ عَادٌ ٱلْمُرْسَلِينَ } إلى آخر القصة . أي : كذبت القبيلة المسماة عاداً ، رسولهم هوداً ، وتكذيبهم له تكذيب لغيره ، لاتفاق الدعوة . { إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ } في النسب { هُودٌ } بلطف وحسن خطاب : { أَلاَ تَتَّقُونَ } الله ، فتتركون الشرك وعبادة غيره ، { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } أي : أرسلني الله إليكم ، رحمة بكم ، واعتناء بكم ، وأنا أمين ، تعرفون ذلك مني ، رتب على ذلك قوله : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } أي : أدوا حق الله تعالى ، وهو التقوى ، وأدوا حقي ، بطاعتي فيما آمركم به وأنهاكم عنه ، فهذا موجب لأن تتبعوني وتطيعوني ، وليس ثمَّ مانع يمنعكم من الإيمان ، فلست أسألكم على تبليغي إياكم ونصحي لكم أجراً ، حتى تستثقلوا ذلك المغرم . { إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } الذي رباهم بنعمه ، وأدرَّ عليهم فضله وكرمه ، خصوصاً ما ربَّى به أولياءه وأنبياءه . { أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ } أي : مدخل بين الجبال { آيَةً } أي : علامة { تَعْبَثُونَ } أي : تفعلون ذلك عبثاً لغير فائدة تعود بمصالح دينكم ودنياكم . { وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ } أي : بركاً ومجابي للحياة { لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ } والحال أنه لا سبيل إلى الخلود لأحد . { وَإِذَا بَطَشْتُمْ } بالخلق { بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ } قتلاً وضرباً ، وأخذ أموال . وكان الله تعالى قد أعطاهم قوة عظيمة ، وكان الواجب عليهم أن يستعينوا بقوتهم على طاعة الله ، ولكنهم فخروا واستكبروا ، وقالوا : { مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً } [ فصلت : 15 ] واستعملوا قوتهم في معاصي الله ، وفي العبث والسفه ، فلذلك نهاهم نبيهم عن ذلك . { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } واتركوا شرككم وبطركم { وَأَطِيعُونِ } حيث علمتم أني رسول الله إليكم ، أمين ناصح ، { وَٱتَّقُواْ ٱلَّذِيۤ أَمَدَّكُمْ } أي : أعطاكم { بِمَا تَعْلَمُونَ } أي : أمدكم بما لا يجهل ولا ينكر من الإنعام ، { أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ } من إبل وبقر وغنم { وَبَنِينَ } أي : وكثرة نسل ، كثَّر أموالكم ، وكثَّر أولادكم ، خصوصاً الذكور ، أفضل القسمين . هذا تذكيرهم بالنعم ، ثم ذكرهم حلول عذاب الله ، فقال : { إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } أي : إني - من شفقتي عليكم وبري بكم - أخاف أن ينزل بكم عذاب يوم عظيم ، إذا نزل لا يرد ، إن استمريتم على كفركم وبغيكم . فقالوا معاندين للحق مكذبين لنبيهم : { سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِّنَ ٱلْوَاعِظِينَ } أي : الجميع على حد سواء ، وهذا غاية العتو ، فإن قوماً بلغت بهم الحال إلى أن صارت مواعظ الله ، التي تذيب الجبال الصم الصلاب ، وتتصدع لها أفئدة أولي الألباب ، وجودها وعدمها - عندهم - على حد سواء ، لقوم انتهى ظلمهم ، واشتد شقاؤهم ، وانقطع الرجاء من هدايتهم ، ولهذا قالوا : { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ خُلُقُ ٱلأَوَّلِينَ } أي : هذه الأحوال والنعم ، ونحو ذلك ، عادة الأولين ، تارة يستغنون ، وتارة يفتقرون ، وهذه أحوال الدهر ، لا أن هذه محن ومنح من الله تعالى ، وابتلاء لعباده { وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } وهذا إنكار منهم للبعث ، أو تنزل مع نبيهم وتهكم به ، إننا على فرض أننا نبعث ، فإننا كما أدرَّت علينا النعم في الدنيا ، كذلك لا تزال مستمرة علينا إذا بعثنا . { فَكَذَّبُوهُ } أي : صار التكذيب سجية لهم وخلقاً ، لا يردعهم عنه رادع . { فَأَهْلَكْنَاهُمْ } { بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } [ الحاقة : 6 - 7 ] . { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً } على صدق نبينا هود عليه السلام ، وصحة ما جاء به ، وبطلان ما عليه قومه ، من الشرك والجبروت ، { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } مع وجود الآيات المقتضية للإيمان . { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } الذي أهلك بقوته قوم هود ، على قوتهم وبطشهم . { ٱلرَّحِيمُ } بنبيه هود ، حيث نجاه ومن معه من المؤمنين .