Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 176-191)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ كَذَّبَ أَصْحَابُ لْئَيْكَةِ ٱلْمُرْسَلِينَ } أصحاب الأيكة : أي : البساتين الملتفة أشجارها وهم أصحاب مدين ، فكذبوا نبيهم شعيباً ، الذي جاء بما جاء به المرسلون . { إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلاَ تَتَّقُونَ } الله تعالى ، فتتركون ما يسخطه ويغضبه ، من الكفر والمعاصي ، { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } يترتب على ذلك ، أن تتقوا الله وتطيعون ، وكانوا - مع شركهم - يبخسون المكاييل والموازين ، فلذلك قال لهم : { أَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ } أي : أتموه وأكملوه { وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُخْسِرِينَ } الذين ينقصون الناس أموالهم ويسلبونها ببخس المكيال والميزان ، { وَزِنُواْ بِٱلْقِسْطَاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ } أي : بالميزان العادل ، الذي لا يميل ، { وَٱتَّقُواْ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلْجِبِلَّةَ ٱلأَوَّلِينَ } أي : الخليقة الأولين ، فكما انفرد بخلقكم ، وخلق من قبلكم من غير مشاركٍ له في ذلك ، فأفردوه بالعبادة والتوحيد ، وكما أنعم عليكم بالإيجاد والإمداد بالنعم ، فقابلوه بشكره . قالوا له ، مكذبين له ، رادِّين لقوله : { اْ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ } فأنت تهذي وتتكلم كلام المسحور ، الذي غايته أن لا يؤاخذ به . { وَمَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } فليس فيك فضيلة اختصصت بها علينا ، حتى تدعونا إلى اتباعك ، وهذا مثل قول من قبلهم ومن بعدهم ، ممن عارضوا الرسل بهذه الشبهة ، التي لم يزالوا يدلون بها ويصولون ، ويتفقون عليها ، لاتفاقهم على الكفر ، وتشابه قلوبهم . وقد أجابت عنها الرسل بقولهم : { إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } [ إبراهيم : 11 ] . { وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } وهذا جراءة منهم وظلم وقول زور ، قد انطووا على خلافه ، فإنه ما من رسول من الرسل ، واجه قومه ودعاهم ، وجادلهم وجادلوه ، إلا وقد أظهر الله على يديه من الآيات ، ما به يتيقنون صدقه وأمانته ، خصوصاً شعيباً عليه السلام ، الذي يسمى خطيب الأنبياء ، لحسن مراجعته قومه ، ومجادلتهم بالتي هي أحسن ، فإن قومه قد تيقنوا صدقه ، وأن ما جاء به حق ، ولكن إخبارهم عن ظن كذبه كذب منهم . { فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } أي : قطع عذاب تستأصلنا . { إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } كقول إخوانهم { وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ الأنفال : 32 ] أو أنهم طلبوا بعض آيات الاقتراح ، التي لا يلزم تتميم مطلوب من سألها . { قَالَ } شعيب عليه السلام : { رَبِّيۤ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ } أي : نزول العذاب ، ووقوع آيات الاقتراح ، لست أنا الذي آتي بها وأنزلها بكم ، وليس عليَّ إلا تبليغكم ونصحكم وقد فعلت ، وإنما الذي يأتي بها ربِّي ، العالم بأعمالكم وأحوالكم ، الذي يجازيكم ويحاسبكم . { فَكَذَّبُوهُ } أي : صار التكذيب لهم وصفاً ، والكفر لهم ديدناً ، بحيث لا تفيدهم الآيات ، وليس بهم حيلة إلا نزول العذاب . { فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ ٱلظُّلَّةِ } أظلتهم سحابة فاجتمعوا تحتها مستلذين ، لظلها غير الظليل ، فأحرقتهم بالعذاب ، فظلوا تحتها خامدين ، ولديارهم مفارقين ، ولدار الشقاء والعذاب نازلين . { إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } لا كرة لهم إلى الدنيا ، فيستأنفوا العمل ، ولا يُفَتَّر عنهم العذاب ساعة ، ولا هم ينظرون . { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً } دالة على صدق شعيب ، وصحة ما دعا إليه ، وبطلان رد قومه عليه ، { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } مع رؤيتهم الآيات ، لأنهم لا زكاء فيهم ، ولا خير لديهم { وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } [ يوسف : 103 ] . { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } الذي امتنع بقوته ، عن إدراك أحد ، وقَهَرَ كل مخلوق . { ٱلرَّحِيمُ } الذي الرحمة وصفه ، ومن آثارها ، جميع الخيرات في الدنيا والآخرة ، من حين أوجد الله العالم إلى ما لا نهاية له . ومن عزته ، أن أهلك أعداءه حين كذبوا رسله ، ومن رحمته ، أن نجَّى أولياءه ومن اتبعهم من المؤمنين .