Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 192-203)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر قصص الأنبياء مع أممهم ، وكيف دعوهم ، و [ ما ] ردوا عليهم به ، وكيف أهلك الله أعداءهم ، وصارت لهم العاقبة . ذكر هذا الرسول الكريم ، والنبي المصطفى العظيم ، وما جاء به من الكتاب ، الذي فيه هداية لأولي الألباب ، فقال : { وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } فالذي أنزله ، فاطر الأرض والسماوات ، المربِّي جميع العالم ، العلوي والسفلي ، وكما أنه رباهم بهدايتهم لمصالح دنياهم وأبدانهم ، فإنه يربيهم أيضاً ، بهدايتهم لمصالح دينهم وأخراهم ، ومن أعظم ما رباهم به ، إنزال هذا الكتاب الكريم ، الذي اشتمل على الخير الكثير ، والبر الغزير ، وفيه من الهداية لمصالح الدارين ، والأخلاق الفاضلة ، ما ليس في غيره ، وفي قوله : { وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } من تعظيمه وشدة الاهتمام فيه ، من كونه نزل من الله ، لا من غيره ، مقصوداً فيه نفعكم وهدايتكم ، { نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ } وهو جبريل عليه السلام ، الذي هو أفضل الملائكة وأقواهم ، { ٱلأَمِينُ } الذي قد أمن أن يزيد فيه أو ينقص . { عَلَىٰ قَلْبِكَ } يا محمد { لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِينَ } تهدي به إلى طريق الرشاد ، وتنذر به عن طريق الغي . { بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ } وهو أفضل الألسنة ، بلغة من بُعثَ إليهم ، وباشر دعوتهم أصلاً ، اللسان البينَّ الواضح . وتأمل كيف اجتمعت هذه الفضائل الفاخرة في هذا الكتاب الكريم ، فإنه أفضل الكتب ، نزل به أفضل الملائكة ، على أفضل الخلق ، على أفضل بضعة فيه وهي قلبه ، على أفضل أمة أخرجت للناس ، بأفضل الألسنة وأفصحها وأوسعها ، وهو اللسان العربي المبين . { وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ ٱلأَوَّلِينَ } أي : قد بشرت به كتب الأولين وصدقته ، وهو لما نزل طِبْقَ ما أخبرت به ، صدقها ، بل جاء بالحق وصدق المرسلين . { أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً } على صحته ، وأنه من الله { أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } الذي قد انتهى إليهم العلم ، وصاروا أعلم الناس ، وهم أهل الصنف ، فإن كل شيء يحصل به اشتباه ، يرجع فيه إلى أهل الخبرة والدراية ، فيكون قولهم حجة على غيرهم ، كما عرف السحرة الذين مهروا في علم السحر ، صدق معجزة موسى ، وأنه ليس بسحر ، فقول الجاهلين بعد هذا لا يؤبه به . { وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَىٰ بَعْضِ ٱلأَعْجَمِينَ } الذين لا يفقهون لسانهم ، ولا يقدرون على التعبير لهم كما ينبغي { فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ } يقولون : ما نفقه ما يقول ، ولا ندري ما يدعو إليه ، فليحمدوا ربهم ، أن جاءهم على لسان أفصح الخلق ، وأقدرهم على التعبير عن المقاصد ، بالعبارات الواضحة وأنصحهم ، وليبادروا إلى التصديق به ، وتلقيه بالتسليم والقبول ، ولكن تكذيبهم له من غير شبهة ، إن هو إلا محض الكفر والعناد ، وأمر قد توارثته الأمم المكذبة ، فلهذا قال : { كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ } أي : أدخلنا التكذيب ، وأنظمناه في قلوب أهل الإجرام ، كما يدخل السلك في الإبرة ، فتشربته ، وصار وصفاً لها ، وذلك بسبب ظلمهم وجرمهم ، فلذلك { لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } على تكذيبهم ، { فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } أي : يأتيهم على حين غفلة ، وعدم إحساس منهم ، ولا استشعار بنزوله ، ليكون أبلغ في عقوبتهم والنكال بهم . { فَيَقُولُواْ } إذ ذاك : { هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ } أي : يطلبون أن يُنْظروا ويمهلوا ، والحال إنه قد فات الوقت ، وحل بهم العذاب الذي لا يرفع عنهم ، ولا يفتر ساعة .