Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 1-9)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يشير الباري تعالى إشارة تدل على التعظيم لآيات الكتاب المبين البيّن الواضح ، الدال على جميع المطالب الإلهية ، والمقاصد الشرعية ، بحيث لا يبقى عند الناظر فيه شك ولا شبهة فيما أخبر به أو حكم به ، لوضوحه ودلالته على أشرف المعاني ، وارتباط الأحكام بحكمها ، وتعليقها بمناسبها ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينذر به الناس ، ويهدي به الصراط المستقيم ، فيهتدي بذلك عباد الله المتقون ، ويعرض عنه من كتب عليه الشقاء ، فكان يحزن حزناً شديداً على عدم إيمانهم ، حرصاً منه على الخير ، ونصحاً لهم . فلهذا قال تعالى عنه : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ } أي : مهلكها وشاقٌ عليها ، { أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } أي : فلا تفعل ، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات ، فإن الهداية بيد الله ، وقد أديت ما عليك من التبليغ ، وليس فوق هذا القرآن المبين آية حتى ننزلها ليؤمنوا [ بها ] ، فإنه كاف شاف ، لمن يريد الهداية ، ولهذا قال : { إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً } . أي : من آيات الاقتراح ، { فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ } أي : أعناق المكذبين { لَهَا خَاضِعِينَ } ولكن لا حاجة إلى ذلك ، ولا مصلحة فيه ، فإنه إذ ذاك الوقت ، يكون الإيمان غير نافع ، وإنما الإيمان النافع ، الإيمان بالغيب ، كما قال تعالى : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَٰنُهَا } الآية [ الأنعام : 158 ] . { وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ مُحْدَثٍ } يأمرهم وينهاهم ، ويذكرهم ما ينفعهم ويضرهم . { إِلاَّ كَانُواْ عَنْهُ مُعْرِضِينَ } بقلوبهم وأبدانهم ، هذا إعراضهم عن الذكر المحدث ، الذي جرت العادة ، أنه يكون موقعه أبلغ من غيره ، فكيف بإعراضهم عن غيره ، وهذا ، لأنهم لا خير فيهم ، ولا تنجع فيهم المواعظ ، ولهذا قال : { فَقَدْ كَذَّبُواْ } . أي : بالحق ، وصار التكذيب لهم سجية ، لا تتغير ولا تتبدل ، { فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } أي : سيقع بهم العذاب ، ويحل بهم ما كذبوا به ، فإنهم قد حقت عليهم كلمة العذاب . قال الله منبهاً على التفكر الذي ينفع صاحبه : { يَرَوْاْ إِلَى ٱلأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } من جميع أصناف النباتات ، حسنة المنظر ، كريمة في نفعها . { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً } على إحياء الله الموتى بعد موتهم ، كما أحيا الأرض بعد موتها { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ } كما قال تعالى : { وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } [ يوسف : 103 ] . { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } الذي قد قهر كل مخلوق ، ودان له العالم العلوي والسفلي ، { ٱلرَّحِيمُ } الذي وسعت رحمته كل شيء ، ووصل جوده إلى كل حي ، العزيز الذي أهلك الأشقياء بأنواع العقوبات ، الرحيم بالسعداء ، حيث أنجاهم من كل شر وبلاء .