Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 69-104)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ } إلى آخر هذه القصة { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } أي : واتل يا محمد على الناس ، نبأ إبراهيم الخليل ، وخبره الجليل ، في هذه الحالة بخصوصها ، وإلا فله أنباء كثيرة ، ولكن من أعجب أنبائه وأفضلها ، هذا النبأ المتضمن لرسالته ، ودعوته قومه ، ومحاجته إياهم ، وإبطاله ما هم عليه ، ولذلك قيده بالظرف ، فقال : { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُواْ } متبجحين بعبادتهم : { نَعْبُدُ أَصْنَاماً } ننحتها ونعملها بأيدينا . { فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ } أي : مقيمين على عبادتها في كثير من أوقاتنا ، فقال لهم إبراهيم ، مبيناً لعدم استحقاقها للعبادة : { هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ } فيستجيبون دعاءكم ، ويفرجون كربكم ، ويزيلون عنكم كل مكروه ؟ . { أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ } فأقروا أن ذلك كله ، غير موجود فيها ، فلا تسمع دعاءً ، ولا تنفع ، ولا تضر ، ولهذا لما كسرها وقال : { قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ } [ الأنبياء : 63 ] قالوا له : { لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰؤُلاۤءِ يَنطِقُونَ } [ الأنبياء : 65 ] أي : هذا أمر متقرر من حالها ، لا يقبل الإشكال والشك ، فلجؤوا إلى تقليد آبائهم الضالين ، فقالوا : { بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } فتبعناهم على ذلك ، وسلكنا سبيلهم ، وحافظنا على عاداتهم ، فقال لهم إبراهيم : أنتم وآباؤكم ، كلكم خصوم في الأمر ، والكلام مع الجميع واحد . { قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمُ ٱلأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ } فليضروني بأدنى شيء من الضرر ، وليكيدوني ، فلا يقدرون . { إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ * ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ } هو المنفرد بنعمة الخلق ونعمة الهداية ، للمصالح الدينية والدنيوية ، ثم خصص منها بعض الضروريات فقال : { وَٱلَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَٱلَّذِيۤ أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ ٱلدِّينِ } فهذا هو وحده المنفرد بذلك ، فيجب أن يفرد بالعبادة والطاعة ، وتترك هذه الأصنام ، التي لا تخلق ، ولا تهدي ، ولا تمرض ، ولا تشفي ، ولا تطعم ، ولا تسقي ، ولا تميت ، ولا تحيي ، ولا تنفع عابديها بكشف الكروب ، ولا مغفرة الذنوب . فهذا دليل قاطع ، وحجة باهرة ، لا تقدرون أنتم وآباؤكم على معارضتها ، فدل على اشتراككم في الضلال ، وترككم طريق الهدى والرشد . قال الله تعالى : { وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَٰجُّوۤنِّي فِي ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ } الآيات [ الأنعام : 80 ] . ثم دعا عليه السلام ربه فقال : { رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً } أي : علماً كثيراً ، أعرف به الأحكام ، والحلال والحرام ، وأحكم به بين الأنام ، { وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ } من إخوانه الأنبياء والمرسلين . { وَٱجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي ٱلآخِرِينَ } أي : اجعل لي ثناء صدق ، مستمر إلى آخر الدهر . فاستجاب الله دعاءه ، فوهب له من العلم والحكم ، ما كان به من أفضل المرسلين ، وألحقه بإخوانه المرسلين ، وجعله محبوباً مقبولاً ، معظماً مثنىً عليه ، في جميع الملل ، في كل الأوقات . قال تعالى : { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ * سَلاَمٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الصافات : 108 - 111 ] . { وَٱجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ ٱلنَّعِيمِ } أي : من أهل الجنة ، التي يورثهم الله إياها ، فأجاب الله دعاءه ، فرفع منزلته في جنات النعيم . { وَٱغْفِرْ لأَبِيۤ إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلضَّآلِّينَ } وهذا الدعاء ، بسبب الوعد الذي قال لأبيه : { سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً } [ مريم : 47 ] قال تعالى : { وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } [ التوبة : 114 ] . { وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ } أي : بالتوبيخ على بعض الذنوب ، والعقوبة عليها والفضيحة ، بل أسعدني في ذلك اليوم الذي { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ } فيه { مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } فهذا الذي ينفعه عندك ، وهذا الذي ينجو به من العقاب ، ويستحق جزيل الثواب . والقلب السليم معناه الذي سلم من الشرك والشك ومحبة الشر والإصرار على البدعة والذنوب ، ويلزم من سلامته مما ذكر ، اتصافه بأضدادها ، من الإخلاص والعلم واليقين ومحبة الخير وتزيينه في قلبه ، وأن تكون إرادته ومحبته تابعة لمحبة الله ، وهواه تابعاً لما جاء عن الله ، ثم ذكر من صفات ذلك اليوم العظيم ، وما فيه من الثواب والعقاب فقال { وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ } أي قربت { لِلْمُتَّقِينَ } ربهم ، الذين امتثلوا أوامره ، واجتنبوا زواجره ، واتقوا سخطه وعقابه . { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ } أي برزت واستعدت بجميع ما فيها من العذاب ، { لِلْغَاوِينَ } الذين أوضعوا في معاصي الله ، وتجرؤوا على محارمه ، وكذبوا رسله ، وردوا ما جاؤوهم به من الحق { وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * مِن دُونِ ٱللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ } بأنفسهم أي فلم يكن من ذلك من شيء ، وظهر كذبهم وخزيهم ، ولاحت خسارتهم وفضيحتهم ، وبان ندمهم وضل سعيهم . { فَكُبْكِبُواْ فِيهَا } أي : ألقوا في النار { هُمْ } أي ما كانوا يعبدون ، { وَٱلْغَاوُونَ } العابدون لها ، { وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ } من الإنس والجن ، الذين أزَّهم إلى المعاصي أزًّاً ، وتسلط عليهم بشركهم وعدم إيمانهم ، فصاروا من دعاته ، والساعين في مرضاته ، وهم ما بين داع لطاعته ، ومجيب لهم ، ومقلد لهم على شركهم . { قَالُواْ } أي : جنود إبليس الغاوون ، لأصنامهم وأوثانهم التي عبدوها : { تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } في العبادة والمحبة ، والخوف والرجاء ، وندعوكم كما ندعوه ، فتبين لهم حينئذ : ضلالهم ، وأقروا بعدل الله في عقوبتهم ، وأنها في محلها ، وهم لم يسووهم برب العالمين ، إلا في العبادة ، لا في الخلق ، بدليل قولهم : { بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } إنهم مقرون أن الله رب العالمين كلهم ، الذين من جملتهم أصنامهم وأوثانهم . { وَمَآ أَضَلَّنَآ } عن طريق الهدى والرشد ، ودعانا إلى طريق الغي والفسق { إِلاَّ ٱلْمُجْرِمُونَ } وهم الأئمة الذين يدعون إلى النار ، { فَمَا لَنَا } حينئذ { مِن شَافِعِينَ } يشفعون لنا ، لينقذونا من عذابه ، { وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ } أي : قريب مصاف ، ينفعنا بأدنى نفع ، كما جرت العادة بذلك في الدنيا ، فأيسوا من كل خير ، وأبلسوا بما كسبوا ، وتمنوا العودة إلى الدنيا ليعملوا صالحاً . { فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً } أي : رجعة إلى الدنيا ، وإعادة إليها { فَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } لنسلم من العقاب ، ونستحق الثواب ، هيهات هيهات ، قد حيل بينهم وبين ما يشتهون ، وقد غلقت منهم الرهون . { إِنَّ فِي ذَلِكَ } الذي ذكرنا لكم ووصفنا { لآيَةً } لكم { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } مع نزول الآيات .