Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 1-14)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ { طسۤ تِلْكَ آيَاتُ ٱلْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ * هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ * ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُم بِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ * أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ وَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ * وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ } . ينبه تعالى عباده على عظمة القرآن ، ويشير إليه إشارة دالة على التعظيم ، فقال : { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ } أي : هي أعلى الآيات ، وأقوى البينات ، وأوضح الدلالات ، وأبينها على أجل المطالب ، وأفضل المقاصد ، وخير الأعمال ، وأزكى الأخلاق ، آيات تدل على الأخبار الصادقة ، والأوامر الحسنة ، والنهي عن كل عمل وخيم ، وخلق ذميم ، آيات بلغت في وضوحها وبيانها للبصائر النيرة ، مبلغ الشمس للأبصار ، آيات دلت على الإيمان ، ودعت للوصول إلى الإيقان ، وأخبرت عن الغيوب الماضية والمستقبلة ، على طِبْقِ ما كان ويكون . آيات دعت إلى معرفة الرب العظيم ، بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وأفعاله الكاملة ، آيات عرفتنا برسله وأوليائه ، ووصفتهم حتى كأننا ننظر إليهم بأبصارنا ، ولكن مع هذا لم ينتفع بها كثير من العالمين ، ولم يهتد بها جميع المعاندين ، صوناً لها عن من لا خير فيه ولا صلاح ، ولا زكاء في قلبه ، وإنما اهتدى بها ، من خصهم الله بالإيمان ، واستنارت بذلك قلوبهم ، وصفت سرائرهم . فلهذا قال : { هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } أي : تهديهم إلى سلوك الصراط المستقيم ، وتبين لهم ما ينبغي أن يسلكوه أو يتركوه ، وتبشرهم بثواب الله المرتب على الهداية لهذا الطريق . ربما قيل : لعله يكثر مدعو الإيمان ، فهل يقبل من كل أحد ادَّعى أنه مؤمن ذلك ؟ أم لا بد لذلك من دليل ؟ وهو الحق ، فلذلك بيَّن تعالى صفة المؤمنين ، فقال : { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ } فرضها ونفلها فيأتون بأفعالها الظاهرة ، من أركانها ، وشروطها ، وواجباتها ، بل ومستحباتها ، وأفعالها الباطنة وهو الخشوع الذي روحها ولبها باستحضار قرب الله ، وتدبر ما يقول المصلي ويفعله . { وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } المفروضة لمستحقيها . { وَهُم بِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } أي : قد بلغ معهم الإيمان إلى أن وصل إلى درجة اليقين ، وهو العلم التام ، الواصل إلى القلب الداعي إلى العمل . ويقينهم بالآخرة ، يقتضي كمال سعيهم لها ، وحذرهم من أسباب العذاب وموجبات العقاب وهذا أصل كل خير . { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ } ويكذبون بها ويكذبون من جاء بإثباتها ، { زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ } حائرين مترددين ، مؤثرين سخط الله على رضاه ، قد انقلبت عليهم الحقائق ، فرأوا الباطل حقاً ، والحق باطلاً . { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ } أي : أشده وأسوأه وأعظمه ، { وَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ } حصر الخسار فيهم ، لكونهم خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ، وخسروا الإيمان الذي دعتهم إليه الرسل . { وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ } أي : وإن هذا القرآن الذي ينزل عليك وتتلقفه وتتلقنه ، ينزل من عند { حَكِيمٍ } يضع الأشياء مواضعها ، وينزلها منازلها . { عَلِيمٍ } بأسرار الأمور وبواطنها ، كظواهرها . وإذا كان من عند { حَكِيمٍ عَلِيمٍ } علم أنه كله حكمة ومصالح للعباد ، من الذي [ هو ] أعلم بمصالحهم منهم ؟ { إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لأَهْلِهِ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً } إلى آخر قصته ، يعني : اذكر هذه الحالة الفاضلة الشريفة من أحوال موسى بن عمران ، ابتداء الوحي إليه ، واصطفائه برسالته ، وتكليم الله إياه ، وذلك أنه لما مكث في مدين عدة سنين ، وسار بأهله من مدين متوجهاً إلى مصر ، فلما كان في أثناء الطريق ضل ، وكان في ليلة مظلمة باردة ، فقال لهم : { إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً } أي : أبصرت ناراً من بعيد { سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ } عن الطريق ، { أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } أي : تستدفئون ، وهذا دليل على أنه تائه ، ومشتد برده ، هو وأهله . { فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا } أي : ناداه الله تعالى وأخبره ، أن هذا محل مقدس مبارك ، ومن بركته ، أن جعله الله موضعاً لتكليم الله لموسى وندائه وإرساله . { وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } عن أن يُظن به نقص أو سوء ، بل هو الكامل في وصفه وفعله . { يٰمُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أي : أخبره الله أنه الله المستحق للعبادة وحده لا شريك له ، كما في الآية الأخرى { إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ فَٱعْبُدْنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ } [ طه : 14 ] { ٱلْعَزِيزُ } الذي قهر جميع الأشياء ، وأذعنت له كل المخلوقات ، { ٱلْحَكِيمُ } في أمره وخلقه . ومن حكمته أن أرسل عبده موسى بن عمران ، الذي علم الله منه أنه أهل لرسالته ووحيه وتكليمه . ومن عزته ، أن تعتمد عليه ، ولا تستوحش من انفرادك وكثرة أعدائك وجبروتهم ، فإن نواصيهم بيد الله ، وحركاتهم وسكونهم بتدبيره . { وَأَلْقِ عَصَاكَ } فألقاها { فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ } وهو ذكر الحيات سريع الحركة ، { وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ } ذعراً من الحية التي رأى ، على مقتضى الطبائع البشرية ، فقال الله له : { يٰمُوسَىٰ لاَ تَخَفْ } وقال في الآية الأخرى : { أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ ٱلآمِنِينَ } [ القصص : 31 ] { إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ ٱلْمُرْسَلُونَ } لأن جميع المخاوف مندرجة في قضائه وقدره وتصريفه وأمره ، فالذين اختصهم الله برسالته ، واصطفاهم لوحيه ، لا ينبغي لهم أن يخافوا غير الله ، خصوصاً عند زيادة القرب منه ، والحظوة بتكليمه . { إِلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوۤءٍ } أي : فهذا الذي هو محل الخوف والوحشة بسبب ما أسدى من الظلم ، وما تقدم له من الجرم ، وأما المرسلون ، فما لهم وللوحشة والخوف ؟ ومع هذا ، من ظلم نفسه بمعاصي الله ، ثم تاب وأناب ، فبدل سيئاته حسنات ، ومعاصيه طاعات ، فإن الله غفور رحيم ، فلا ييأس أحد من رحمته ومغفرته ، فإنه يغفر الذنوب جميعاً ، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها . { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } لا برص ولا نقص ، بل بياض يبهر الناظرين شعاعه . { فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ } أي : هاتان الآيتان ، انقلاب العصا حية تسعى ، وإخراج اليد من الجيب ، فتخرج بيضاء في جملة تسع آيات ، تذهب بها وتدعو فرعون وقومه ، { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } فسقوا بشركهم وعتوهم وعلوهم على عباد الله ، واستكبارهم في الأرض بغير الحق . فذهب موسى عليه السلام إلى فرعون وملئه ودعاهم إلى الله تعالى ، وأراهم الآيات . { فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً } مضيئة ، تدل على الحق ، ويبصر بها كما تبصر الأبصار بالشمس . { قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } لم يكفهم مجرد القول بأنه سحر ، بل قالوا : { مُّبِينٌ } ظاهر لكل أحد . وهذا من أعجب العجائب ، الآيات المبصرات ، والأنوار الساطعات ، تجعل من بين الخزعبلات وأظهر السحر ! هل هذا إلا من أعظم المكابرة ، وأوقح السفسطة . { وَجَحَدُواْ بِهَا } أي : كفروا بآيات الله ، جاحدين لها ، { وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ } أي : ليس جحدهم مستنداً إلى الشك والريب ، وإنما جحدهم مع علمهم ويقينهم بصحتها { ظُلْماً } منهم لحق ربهم ولأنفسهم ، { وَعُلُوّاً } على الحق وعلى العباد ، وعلى الانقياد للرسل ، { فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } أسوأ عاقبة ، دمرهم الله وغرقّهم في البحر ، وأخزاهم ، وأورث مساكنهم المستضعفين من عباده .