Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 16-22)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يذكر تعالى أنه أرسل خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى قومه ، يدعوهم إلى الله ، فقال [ لهم ] : { ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } أي : وحِّدوه ، وأخلصوا له العبادة ، وامتثلوا ما أمركم به ، { وَٱتَّقُوهُ } أن يغضب عليكم ، فيعذبكم ، وذلك بترك ما يغضبه من المعاصي ، { ذٰلِكُمْ } أي : عبادة الله وتقواه { خَيْرٌ لَّكُمْ } من ترك ذلك ، وهذا من باب إطلاق " أفعل التفضيل " بما ليس في الطرف الآخر منه شيء ، فإن ترك عبادة الله ، وترك تقواه ، لا خير فيه بوجه ، وإنما كانت عبادة الله وتقواه خيراً للناس ، لأنه لا سبيل إلى نيل كرامته في الدنيا والآخرة إلا بذلك ، وكل خير يوجد في الدنيا والآخرة ، فإنه من آثار عبادة الله وتقواه . { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } ذلك ، فاعلموا الأمور وانظروا ما هو أولى بالإيثار ، فلما أمرهم بعبادة الله وتقواه ، نهاهم عن عبادة الأصنام ، وبيَّن لهم نقصها وعدم استحقاقها للعبودية ، فقال : { إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً } تنحتونها وتخلقونها بأيديكم ، وتخلقون لها أسماء الآلهة ، وتختلقون الكذب بالأمر بعبادتها والتمسك بذلك ، { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } في نقصه ، وأنه ليس فيه ما يدعو إلى عبادته ، { لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً } فكأنه قيل : قد بان لنا أن هذه الأوثان مخلوقة ناقصة ، لا تملك نفعاً ولا ضراً ، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً ، وأن من هذا وصفه ، لا يستحق أدنى أدنى أدنى مثقال مثقال مثقال ذرة من العبادة والتأله ، والقلوب لا بد أن تطلب معبوداً تألهه وتسأله حوائجها ، فقال - حاثاً لهم على من يستحق العبادة - { فَٱبْتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزْقَ } فإنه هو الميسر له ، المقدر ، المجيب لدعوة مَنْ دعاه في أمر دينه ودنياه ، { وَٱعْبُدُوهُ } وحده لا شريك له ، لكونه الكامل النافع الضار ، المتفرد بالتدبير ، { وَٱشْكُرُواْ لَهُ } وحده ، لكون جميع ما وصل ويصل إلى الخلق من النِعَم فمنه ، وجميع ما اندفع ويندفع من النقم عنهم فهو الدافع لها . { إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } يجازيكم على ما عملتم ، وينبئكم بما أسررتم وأعلنتم ، فاحذروا القدوم عليه وأنتم على شرككم ، وارغبوا فيما يقربكم إليه ، ويثيبكم - عند القدوم - عليه . { أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِئُ ٱللَّهُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } يوم القيامة { إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } . كما قال تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم : 27 ] . { قُلْ } لهم ، إن حصل معهم ريب وشك في الابتداء : { سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } بأبدانكم وقلوبكم { فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ } فإنكم ستجدون أُمماً من الآدميين والحيوانات ، لا تزال توجد شيئاً فشيئاً ، وتجدون النبات والأشجار ، كيف تحدث وقتاً بعد وقت ، وتجدون السحاب والرياح ونحوها ، مستمرة في تجددها ، بل الخلق دائماً في بدء وإعادة ، فانظر إليهم وقت موتتهم الصغرى - النوم - وقد هجم عليهم الليل بظلامه ، فسكنت منهم الحركات ، وانقطعت منهم الأصوات ، وصاروا في فرشهم ومأواهم كالميتين ، ثم إنهم لم يزالوا على ذلك طول ليلهم ، حتى انفلق الإصباح ، فانتبهوا من رقدتهم ، وبعثوا من موتتهم ، قائلين : " الحمد للّه الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور " . ولهذا قال : { ثُمَّ ٱللَّهُ } بعد الإعادة { يُنشِىءُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلآخِرَةَ } وهي النشأة التي لا تقبل موتاً ولا نوماً ، وإنما هو الخلود والدوام في إحدى الدارين . { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فقدرته تعالى لا يعجزها شيء ، وكما قدر بها على ابتداء الخلق ، فقدرته على الإعادة من باب أولى وأحرى . { يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ } أي : هو المنفرد بالحكم الجزائي ، وهو إثابة الطائعين ورحمتهم ، وتعذيب العاصين والتنكيل بهم . { وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ } أي : ترجعون إلى الدار ، التي بها تجري عليكم أحكام عذابه ورحمته ، فاكتسبوا في هذه الدار ، ما هو من أسباب رحمته من الطاعات ، وابتعدوا من أسباب عذابه ، وهي المعاصي . { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ } أي : يا هؤلاء المكذبون ، المتجرؤن على المعاصي ، لا تحسبوا أنه مغفول عنكم ، أو معجزون للّه في الأرض ولا في السماء ، فلا تغرنكم قدرتكم وما زينت لكم أنفسكم وخدعتكم ، من النجاة من عذاب الله ، فلستم بمعجزين الله في جميع أقطار العالم . { وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ } يتولاكم ، فيحصل لكم مصالح دينكم ودنياكم ، { وَلاَ نَصِيرٍ } ينصركم ، فيدفع عنكم المكاره .