Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 41-43)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا مثل ضربه اللّه لمن عبد معه غيره ، يقصد به التعزز والتَّقَوِّي والنفع ، وأن الأمر بخلاف مقصوده ، فإن مثله كمثل العنكبوت ، اتخذت بيتاً يقيها من الحر والبرد والآفات ، { بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ } أضعفها وأوهاها { لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ } . فالعنكبوت من الحيوانات الضعيفة ، وبيتها من أضعف البيوت ، فما ازدادت باتخاذه إلا ضعفاً ، كذلك هؤلاء الذين يتخذون من دونه أولياء ، فقراء عاجزون من جميع الوجوه ، وحين اتخذوا الأولياء من دونه يتعززون بهم ويستنصرونهم ، ازدادوا ضعفاً إلى ضعفهم ، ووهناً إلى وهنهم . فإنهم اتكلوا عليهم في كثير من مصالحهم ، وألقوها عليهم ، وتخلوا هم عنها ، على أن أولئك سيقومون بها ، فخذلوهم ، فلم يحصلوا منهم على طائل ، ولا أنالوهم من معونتهم أقل نائل . فلو كانوا يعلمون حقيقة العلم ، حالهم وحال من اتخذوهم ، لم يتخذوهم ، ولتبرؤوا منهم ، ولتولوا الرب القادر الرحيم ، الذي إذا تولاه عبده وتوكل عليه ، كفاه مئونة دينه ودنياه ، وازداد قوة إلى قوته ، في قلبه وفي بدنه وحاله وأعماله . ولما بيَّن نهاية ضعف آلهة المشركين ، ارتقى من هذا إلى ما هو أبلغ منه ، وأنها ليست بشيء ، بل هي مجرد أسماء سموها ، وظنون اعتقدوها ، وعند التحقيق ، يتبين للعاقل بطلانها وعدمها ، ولهذا قال : { إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ } أي : إنه تعالى يعلم - وهو عالم الغيب والشهادة - أنهم ما يدعون من دون اللّه شيئاً موجوداً ، ولا إلهاً له حقيقة ، كقوله تعالى : { إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ } [ النجم : 23 ] وقوله : { وَمَا يَتَّبِعُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُرَكَآءَ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } [ يونس : 66 ] . { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } الذي له القوة جميعاً ، التي قهر بها جميع المخلوقات ، { ٱلْحَكِيمُ } الذي يضع الأشياء مواضعها ، الذي أحسن كل شيء خلقه ، وأتقن ما أمره . { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ } أي : لأجلهم ولانتفاعهم وتعليمهم ، لكونها من الطرق الموضحة للعلوم ، ولأنها تقرب الأمور المعقولة بالأمور المحسوسة ، فيتضح المعنى المطلوب بسببها ، فهي مصلحة لعموم الناس . { وَ } لكن { مَا يَعْقِلُهَآ } بفهمها وتدبرها ، وتطبيقها على ما ضربت له ، وعقلها في القلب { إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ } أي : أهل العلم الحقيقي ، الذين وصل العلم إلى قلوبهم . وهذا مدح للأمثال التي يضربها ، وحثٌّ على تدبرها وتعقلها ، ومدح لمن يعقلها ، وأنه عنوان على أنه من أهل العلم ، فعلم أن مَنْ لم يعقلها ليس من العالمين . والسبب في ذلك ، أن الأمثال التي يضربها اللّه في القرآن ، إنما هي للأمور الكبار ، والمطالب العالية ، والمسائل الجليلة ، فأهل العلم يعرفون أنها أهم من غيرها ، لاعتناء اللّه بها ، وحثه عباده على تعقلها وتدبرها ، فيبذلون جهدهم في معرفتها . وأما مَنْ لم يعقلها ، مع أهميتها ، فإن ذلك دليل على أنه ليس من أهل العلم ، لأنه إذا لم يعرف المسائل المهمة ، فعدم معرفته غيرها من باب أولى وأحرى . ولهذا ، أكثر ما يضرب اللّه الأمثال في أصول الدين ونحوها .